اتخذ اللهُ صاحبكم خليلًا»، وأمَّا ما ذكره القاضي عياض في «الشفا» من الاستدلال لتفضيل مقامِ المحبَّة على الخُلَّة: بأنَّ الخليل قال: ﴿لَا تُخْزِنِي﴾ [الشعراء: ٨٧] والحبيب قيل له: ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ﴾ [التحريم: ٨] إلى غير ذلك ممَّا ذكره ففيه نظرٌ؛ لأنَّ مقتضى الفرق بين الشيئين أن يكون (١) في حدِّ ذاتهما؛ يعني: باعتبار مدلول خليل وحبيب، فما ذكره يقتضي تفضيل ذات محمَّد ﷺ على ذات إبراهيم ﵊ من غير نظرٍ إلى ما جعله علَّةً معنويَّة في ذلك من وصف المحبَّة والخُلَّة، فالحقُّ أنَّ الخُلَّة أعلى وأكمل وأفضل من المحبَّة، ثم إنَّ قوله ﵊:«لو كنتُ متَّخِذًا خليلًا غير ربِّي» يُشعر (٢) بأنَّه لم يكن له خليلٌ مِن بني آدم، وأمَّا (٣) ما أخرجه أبو الحسن الحربي في «فوائده» من حديث أُبيِّ بن كعب قال: إنَّ أحدثَ عهدي بنبيِّكم قبل موتِه بخمس: دخلتُ عليه وهو يقول: «إنَّه لم يكن نبيٌّ إلَّا وقد اتَّخذ مِن أُمَّتِه خليلًا، وإنَّ خليلي أبو بكرٍ، فإنَّ الله ﷿ اتَّخذني خليلًا كما اتَّخذ إبراهيمَ خليلًا»؛ فهو معارَض بحديث جُندَب عند مسلمٍ: أنَّه سمع النبيَّ ﷺ يقول قبل موته بخمس: «إنِّي أبرأ إلى الله ﷿ أن يكون لي منكم خليل»، والذي في «الصحيح» لا يُقاومه غيرُه، وعلى تقدير ثبوت حديث أُبي ﵁: فيمكن الجمعُ (٤) بينهما؛ بأنَّه إنَّما برئ من ذلك تواضعًا لربِّه وإعظامًا له، ثم أذن الله له فيه (٥) في ذلك اليوم؛ لِمَا رأى من تشوُّفِهِ إليه، وإكرامًا لأبي بكر ﵁ بذلك، وحينئذٍ فلا تنافي بين الخبرين. قاله في «الفتح».
وهذا الحديث من أفراده.
وفي بعض النسخ هنا:«بَابٌ»، وهو ثابتٌ في «اليونينية» مرقومٌ عليه علامةُ السقوط لأبي ذرٍّ، بالتنوين بغير ترجمة فهو كالفصل من سابقه.
(١) في غير (م): «يكونا». (٢) في (م): «يشير». (٣) في (ص) و (م): «فأما». (٤) في (ص) و (م): «أن يجمع». (٥) ليست في (م).