وأحمد: أنَّها سنَّةٌ، وفي وجهٍ حكاه الماورديُّ عن ابن خيران وابن وهبٍ وابن أبي هريرة: أنَّها واجبةٌ يجب بتركها دمٌ، وقال الحنفيَّة: إذا اقتصر على النِّيَّة ولم يلبِّ لا ينعقد إحرامه لأنَّ الحجَّ تضمَّن أشياءَ مختلفةً فعلًا وتركًا، فأشبه الصَّلاة، فلا يحصل إلَّا بالذِّكر في أوَّله، وقال المالكيَّة: ولا ينعقد إلَّا بنيَّةٍ مقرونةٍ بقولٍ أو فعلٍ متعلِّقين به كالتَّلبية والتَّوجُّه إلى الطَّريق، فلا ينعقد بمُجرَّد النِّيَّة، وقِيلَ: ينعقد، قاله سندٌ، وهو مرويٌّ (١) عن مالكٍ.
(٢٦)(بَابُ التَّلْبِيَةِ) مصدر «لبَّى» كزَكَّى تزكيةً، أي: قال: لبَّيك، وهو عند سيبويه والأكثرين: مُثنًّى لقلب ألفه ياءً مع المُظهَر، وليست تثنيته حقيقيَّةً بل هو من المُثنَّاة لفظًا، ومعناها: التَّكثير والمبالغة كما في قوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة: ٦٤] أي: نعمتاه، عند من أوَّل «اليد» بالنِّعمة، ونعمه تعالى لا تُحصَى، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾ [الملك: ٤] أي: كرَّاتٍ كثيرة، وقال يونس بن حبيبٍ: إنَّما هو اسمٌ مُفرَدٌ، وألفه إنَّما انقلبت ياءً لاتِّصالها بالضَّمير؛ كـ «لديَّ» و «عليَّ». انتهى. والأصل: لبَّبك، فاستثقلوا الجمع بين ثلاث باءاتٍ (٢)، فأبدلوا من الثَّالثة (٣) ياءً كما قالوا من (٤) الظَّنِّ: تظنيَّت، وأصله: تظنَّنتُ، وهو منصوبٌ على المصدر
(١) في (د): «يُروَى». (٢) في (م): «ياءات»، وهو تصحيفٌ. (٣) في (د): «الثَّانية»، وهو تحريفٌ. (٤) في (د): «في».