(عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابن شهاب (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ) تعالى (عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ) ابتداءً للتسليط عليه، وفي «صفة إبليس وجنوده» من «بدء الخلق»[خ¦٣٢٨٦]: «كلُّ بني آدم يَطْعنُ الشَّيطان في جنبيه»(حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ)«صارخًا»: نُصِب على المصدر؛ كقوله (١): قم قائمًا: (إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا) عيسى (٢)، فحفظهما الله تعالى ببركة دعوة أمِّها حيث قالت: ﴿إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [آل عمران: ٣٦] ولم يكن لمريم ذرِّيَّةٌ غير عيسى ﵊، وزاد في:«باب صفة إبليس»[خ¦٣٢٨٦]: «ذهب يطعُن فطعن في الحجاب»، والمراد به: الجِلْدة التي يكون فيها الجنين؛ وهي المشيمة، ونقل العينيُّ: أنَّ القاضي عياضًا أشار إلى أنَّ جميع الأنبياء يُشاركون عيسى ﵊، في ذلك، قال القرطبيُّ: وهو قول مجاهدٍ، وقد طعن الزَّمخشريُّ في معنى هذا الحديث، وتوقَّف في صحَّته، فقال: إن صحَّ فمعناه: أنَّ كل مولودٍ يطمع الشَّيطان في إغوائه إلا مريم وابنها، فإنَّهما معصومان (٣)، وكذلك كلُّ من كان في صفتهما؛ لقوله تعالى: ﴿إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر: ٤٠] واستهلاله صارخًا من مسِّه تخييلٌ وتصويرٌ لطمعه فيه، كأنَّه يمسُّه ويضرب بيده عليه، ويقول: هذا ممَّن أُغويه، ونحوه من التخييل قولُ ابن الرُّوميِّ:
وأمَّا حقيقة المسِّ والنَّخس -كما يتوهَّم أهل الحَشْو- فكلَّا (٤)، ولو سُلِّط إبليس على النَّاس ينخسُهم؛ لامتلأت الدُّنيا صُراخًا وعياطًا. انتهى. قال المولى سعد الدِّين: طَعَن أوَّلًا في الحديث بمجرَّد أنَّه لم يوافق هواه، وإلَّا فأيُّ امتناعٍ من أن يمسَّ الشَّيطان المولود حين يولد؛ بحيث يصرخ
(١) في (م): «كقولهم». (٢) «عيسى»: مثبتٌ من (د) و (س). (٣) في (ج) و (د): «كانا معصومين». (٤) في (د): «فلا».