وعند سعيد بن منصور: أنَّه ﷺ ركعَ رَكعتين، وعندَ ابنِ إسحاق: أنَّه ﷺ قال: «اللَّهمَّ هذه قريشٌ أتتْ بخُيَلائها وفَخْرها تُحَادّك وتُكذِّب رسولَكَ، اللَّهمَّ نصركَ الذي وعدتني».
(اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ) أي: إن شئتَ أن لا تعبدَ بعد هذا يسلَّطون على المؤمنين، وفي حديث عمر ﵁ عند مسلم:«اللَّهمَّ إنْ تَهْلِك هذِهِ العِصَابةُ من أهلِ الإسلامِ لا تعبدُ في الأرضِ» وإنَّما قال ذلك لأنَّه علمَ أنَّه خاتم النَّبيين، فلو هلك ومن معه حينئذٍ لم يبعثِ الله ﷿ أحدًا ممن يدعو إلى الإيمان.
(فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ) رضي الله تعالى عنه (بِيَدِهِ)﵊(فَقَالَ: حَسْبُكَ) أي: يكفيك، زاد في روايةِ وُهَيْب، عن خالدٍ في «التفسير»[خ¦٤٨٧٥]«قد ألحَحْتَ على رَبِّكَ» وفي مسلم: «فأتاه أبو بكرٍ فأخذَ رداءهُ فألقاهُ على منكبيهِ، ثمَّ التزمَهُ من ورائهِ فقال: يا نبيَّ الله، كفاكَ -بالفاء، والأكثر: كذاك، بالذال المعجمة- مُنَاشدتَك ربَّك، فإنَّه سينجزُ لك ما وعدَكَ، فأنزلَ الله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ الاية [الأنفال: ٩] قال: فأمدَّه (١) اللهُ ﷿ بالملائكةِ».
قال في «فتح الباري»: وعرف بهذه الزِّيادة مناسبةُ الحديثِ للترجمةِ، وقال بعضهم: لَمَّا رأى ﵊ الملائكةَ وأصحابه في الجهاد، والجهاد على ضربين: بالسَّيفِ وبالدُّعاء، ومن سنَّة الإمامِ أن يكون من وراءِ الجيشِ لا يُقاتل معهم، فلم يكن ﵊ ليريحَ نفسَهُ من أحدِ الجِهادَين.
وقال النَّووي ﵀: قال العلماء: وهذه المناشدَةُ إنَّما فعلَها ﵊ ليراه أصحابه (٢) بتلك الحال؛ لتقوى قلوبُهم بدُعَائه وتضرُّعه، مع أنَّ الدُّعاء عبادةٌ، وقد كانوا يعلمون أنَّ وسيلتَهُ مستجابةٌ.
(١) في (م): «فأيده». (٢) في الأصل: «وأصحابه»، والمثبت من النووي.