رأى نخلًا لأمِّ مُبَشِّرٍ (١) -امرأة من الأنصار- فقال:«من غرس هذا النَّخل أمسلمٌ أم كافرٌ؟» قالوا: مسلمٌ. بنحو حديثهم كذا عند مسلمٍ، فأحال به على ما قبله، وقد بيَّنه أبو نُعيمٍ في «المستخرج» من وجهٍ آخر عن مسلم بن إبراهيم، وباقيه: «لا يغرس مسلمٌ غرسًا، فيأكل (٢) منه إنسانٌ أو طيرٌ أو دابَّةٌ إلَّا كان له صدقةً»، وقد أخرج مسلمٌ هذا الحديث من طرقٍ عن جابرٍ. قال في بعضها: «فيأكل (٣) منه سَبُعٌ أو طائرٌ أو شيءٌ إلَّا كان له فيه أجرٌ» (٤)، وفي أخرى: «فيأكل منه إنسانٌ ولا دابَّةٌ ولا طيرٌ (٥)، إلَّا كان له صدقةً إلى يوم القيامة»، ومقتضاه: أنَّ ثواب ذلك مستمرٌّ ما دام الغرس أو الزَّرع مأكولًا منه، ولو مات غارسه أو زارعه، ولو انتقل ملكه إلى غيره، قال ابن العربيِّ: في سعة كرم الله أن يثيب على ما بعد الحياة كما كان يثيب ذلك في الحياة، وذلك في ستَّةٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له، أو غرسٍ، أو زرعٍ، أو رباطٍ (٦)، فللمرابط ثواب عمله إلى يوم القيامة. انتهى. ونقل الطِّيبيُّ عن محيي السُّنّة: أنَّه روى: أنَّ رجلًا مرَّ بأبي الدَّرداء وهو يغرس جوزةً، فقال: أتغرس هذه وأنت شيخٌ كبيرٌ؟ وهذه لا تطعم إلَّا في كذا وكذا عامًا. قال: ما عليَّ أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري. قال: وذكر أبو الوفاء البغداديُّ أنَّه مرَّ أنوشروان على رجلٍ يغرس شجر الزَّيتون، فقال له: ليس هذا أوان غرسك الزَّيتون، وهو شجرٌ
(١) في (د): «بشرٍ»، وهو تحريف. (٢) في (د): «فأكل». (٣) في (د ١) و (م): «فأكل». (٤) قوله: «قال في بعضها: فيأكل منه سبعٌ أو طائرٌ أو شيءٌ إلَّا كان له فيه أجرٌ»: سقط من (د). (٥) في (د): «فيأخذ منه إنسانٌ أوطيرٌ أودابَّةٌ». (٦) في غير (ب) و (س): «أوالرِّباط».