العبادة كما يُقال: فلانٌ يشدُّ وسطه ويسعى في كذا، وهذا فيه نظرٌ؛ فإنَّها قالت: جدَّ وشدَّ المئزر، فعطفت «شدَّ المئزر» على الجدِّ، والعطف يقتضي التَّغاير، والصَّحيح: أن المراد به اعتزاله للنِّساء (١)، وبذلك فسَّره السَّلف والأئمَّة المتقدِّمون (٢)، وجزم به عبد الرَّزَّاق عن الثَّوريِّ واستشهد بقول الشَّاعر:
قومٌ إذا حاربوا شدُّوا مآزرهم … عن النِّساء ولو باتت بأطهار
ويحتمل أن يُراد الاعتزال والتَّشمير معًا، فلا ينافي شدَّ المئزر حقيقةً، وقد كان ﵊ يصيب من أهله في العشرين من رمضان، ثمَّ يعتزل النِّساء ويتفرَّغ لطلب ليلة القدر في العشر الأواخر، وعند ابن أبي عاصمٍ بإسنادٍ مقاربٍ عن عائشة:«كان رسول الله ﷺ إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شدَّ المئزر واجتنب النِّساء»، وفي حديث أنسٍ عند الطَّبرانيِّ: «كان ﷺ إذا (٣) دخل العشر الأواخر من رمضان طوى فراشه واعتزل النِّساء» (وَأَحْيَا لَيْلَهُ) استغرقه بالسَّهر في الصَّلاة وغيرها، أو أحيا معظمه لقولها في الصَّحيح:«ما علمته قام ليلة حتَّى الصَّباح»، وقوله:«أحيا ليله» من باب الاستعارة، شبَّه القيام فيه بالحياة في حصول الانتفاع التَّامِّ، أي: أحيا ليله بالطَّاعة أو أحيا نفسه بالسَّهر (٤) فيه؛ لأنَّ النَّوم أخو الموت، وأضافه إلى اللَّيل اتِّساعًا لأنَّ النَّائم إذا حييَ باليقظة حييَ ليله بحياته، وهو نحو قوله:«لا تجعلوا بيوتكم قبورًا» أي: لا تناموا فتكونوا كالأموات وتكون بيوتكم كالقبور (وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ) أي: للصَّلاة والعبادة.
وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا في «الصَّوم»، وأبو داود في «الصَّلاة» وكذا النَّسائيُّ، وأخرجه ابن ماجه في «الصَّوم».
(١) في (م): «اعتزال النِّساء». (٢) في (ل): «المقتَدَون». (٣) قوله: «كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر … كان ﷺ إذا» سقط من (م). (٤) في (ص) و (م): «بسهره».