وأبا موسى المدينيَّ وأبا عليٍّ الجيانيَّ جزموا بما في «مسلم»، ورواه ابن أبي شيبة وأبو نعيمٍ كذلك، فَسَلِمَ مسلمٌ من الوهم والتَّصحيف (سَأَلَتِ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ) أي: الحيض (فَأَمَرَهَا) النَّبيُّ (١)ﷺ(كَيْفَ تَغْتَسِلُ) أي: بأن قال كما رواه مسلمٌ بمعناه: «تطهَّري فأحسني الطُّهور، ثمَّ صبِّي على رأسك فادلكيه دلكًا شديدًا حتَّى يبلغ شؤون رأسك -أي: أصوله- ثمَّ صبِّي الماء عليك»(قَالَ: خُذِي فِرْصَةً) بتثليث الفاء: قطعةً، وقِيلَ: بفتح القاف والصَّاد المُهمَلة، أي: شيئًا يسيرًا مثل القرصة بطرف الأصبعين، وقال ابن قتيبة: إنَّما هو بالقاف والضَّاد المُعجَمة، أي: قطعةً، والرِّواية ثابتةٌ بالفاء والصَّاد المُهمَلة، ولا مجال للرَّأي في مثله، والمعنى صحيحٌ بنقل أئمَّة اللُّغة (مِنْ مِسْكٍ) بكسر الميم دم الغزال، ورُوِي بفتحها، قال القاضي عياضٌ: وهي رواية الأكثرين، وهو الجلد، أي: خذي قطعةً منه وتحمَّلي بها لمسح القبُل، واحتجَّبأنَّهم كانوا في ضيقٍ يمتنع معه أن يمتهنوا المسك مع غلاء ثمنه، ورجَّح النَّوويُّ: الكسر (فَتَطَهَّرِي) أي: تنظَّفي (بِهَا) أي: بالفرصة (قَالَتْ)(٢) أسماء: (كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بها؟ قَالَ)﵊: (سُبْحَانَ اللهِ!) متعجِّبًا من خفاء ذلك عليها (تَطَهَّرِي) ولابن عساكر: «تطهَّري بها، قالت: كيف؟ قال: سُبْحَانَ الله! تَطَهَّرِي بِها» قالت عائشة ﵂: (فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ) بتقديم المُوحَّدة على الذَّال المُعجَمة، وفي روايةٍ:«فاجتذبتها» بتأخيرها (فَقُلْتُ) لها: (تَتَبَّعِي بِهَا) أي: بالفرصة (أَثَرَ الدَّمِ) أي: في الفرج، واستُنبِط منه: أنَّ العالِمَ يَكني بالجواب في الأمور المستورة، وأنَّ المرأة تسأل عن أمر دينها، وتكرير الجواب لإفهام السَّائل، وأنَّ للطَّالب الحاذق تفهيم السَّائل قول الشَّيخ وهو يسمع، وفيه: الدَّلالة على حسن خلق الرَّسول ﷺ وعظيم حلمه وحيائه، ووجه المُطابَقة بينه وبين (٣) التَّرجمة من جهة تضمُّنه طريق مسلمٍ التي
(١) «النَّبيُّ»: مثبتٌ من (م). (٢) في (د): «فقالت». (٣) «بين»: ليس في (د) و (ص).