بابن عُلَيَّة أمِّه قال:(حَدَّثَنَا عَوْفٌ) الأعرابيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ) عمران العطارديُّ قال: (حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَُبٍ) بضم الدال وفتحها (﵁ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِمَّا يُكْثِرُ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: «يعني (١): ممَّا يُكثر» (أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟) قال في «شرح المشكاة» ممَّا قرأتُه فيه: «ممَّا» خبر «كان»، و «ما» موصولةٌ، و «يكثر» صلته، والضَّمير الرَّاجع إلى «ما» فاعل «يقول»، و «أن يقول» فاعل «يكثر»، و «هل رأى أحدٌ منكم» هو المقول، أي: رسول الله ﷺ كائنًا من النَّفر الَّذين كَثُر منهم هذا القول، فوضعَ «ما» مَوضع «من» تفخيمًا وتعظيمًا لجانبهِ، كقولهِ تعالى: ﴿وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا﴾ [الشمس: ٥] وسبحان ما سخَّركنَّ لنا، وتحريرُه: كان رسولُ الله ﷺ ممَّن يجيدُ تعبير الرُّؤيا، وكان له مشاركٌ في ذلك (٢) منهم؛ لأنَّ الإكثار من هذا القولِ لا يصدرُ إلَّا ممَّن تدرَّب فيه، ووثقَ (٣) بإصابتهِ، كقولك: كان زيدٌ من العلماء بالنَّحو، ومنه قول صاحبي السِّجن ليوسف ﵇: ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: ٣٦] أي: المجيدين في عبارة الرُّؤيا، وعلمَا ذلك ممَّا رأياهُ منه؛ إذ (٤) يقصُّ عليه بعضُ أهل السِّجن (٥) هذا من حيث البيان، وأمَّا من طريقِ النَّحو فيحتملُ أن يكون قوله:«هلْ رأى أحدٌ منكمْ من رؤيا؟» مبتدأً، والخبرُ مقدَّم عليه على تأويلِ هذا القول: ممَّا يكثر رسول الله ﷺ أن يقوله، ولكن أين الثُّريَّا من الثرى! انتهى.
فأشار بقولهِ: ولكن أين الثُّريَّا -كما قال في «الفتح» -: إلى ترجيح الوجه السَّابق، والمتبادر هو الثَّاني، وهو الَّذي اتَّفق عليه أكثر الشَّارحين.
(قَالَ) سَمُرةُ بن جندب: (فَيَقُصُّ عَلَيْهِ)ﷺ(مَنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُصَّ) بفتح الياء وضم القاف فيهما، كذا في رواية النَّسفيِّ:«مَن» بالنون، ولغيره:«ما» وهي للمقصوصِ و «مَن» للقاصِّ (وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا) لفظ: «لنا» ثابتٌ في بعضِ الأصولِ المعتمدةِ، ساقطٌ من «اليونينيَّة»(ذَاتَ غَدَاةٍ) لفظ الذَّات مقحمٌ، أو هو من إضافةِ المسمَّى إلى اسمه (إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ) بمدِّ
(١) «يعني»: ليست في (ص). (٢) في (ع): «مشاهدة فيهم». (٣) في (ص): «ووفق». (٤) «إذ»: ليست في (ع) و (ص) و (د). (٥) «يقص عليه بعض أهل السجن»: ليست في (ص) و (د).