لأنَّه خُلِقَ ثابتًا في العادة، وإنَّما يتعجَّب (١) ممَّا يقبل الزِّيادة والنُّقصان، فجرتْ ذلك مجرى الأجسام الثَّابتة على حالٍ واحدٍ، قالوا: وإنَّما يتوصَّل إلى التَّفضيل فيه وفيما زاد على الثُّلاثي بـ «أفعلَ» مصوغًا من فعلٍ دالٍّ على مطلق الرَّجحان، والزِّيادة نحو أكبر وأزيدُ وأرجح وأشدُّ. قال الجوهريُّ: تقول: هذا أشدُّ بياضًا من كذا، ولا تقلْ: أبيضُ منه، وأهلُ الكوفة يقولونهُ ويحتجُّون بقول الرَّاجز:
فيُحتمل أن لا يكون بمعنى أفعل الَّذي تصحبُه «من» للمفاضلة (٤)، وإنَّما هو بمنزلةِ قولك: هو أحسنُهم وجهًا وأكرمهم أبًا، تريد: حَسَنُهم وجهًا وكَريْمُهم أبًا، فكأنَّه قال: فأنت مُبْيَضُّهم سربالًا، فلمَّا أضافَه انتصبَ ما بعدَه على التَّمييز، وجعلَ ابن مالكٍ قوله:«أبيض» من المحكوم بشذوذهِ. وقال النَّوويُّ: هي لغةٌ وإن كانت قليلةَ الاستعمالِ والحديث (٥) يدلُّ على صحَّتها، وفي مسلم من رواية أبي ذرٍّ وابن مسعودٍ -عند أحمد- بلفظ:«أشدُّ بياضًا من اللَّبن»(وَرِيحُهُ أَطْيَبُ) ريحًا (مِنَ المِسْكِ) وزاد مسلمٌ من حديث أبي ذرٍّ وثوبان: «وأحلى من العسلِ»، وزاد أحمدُ من حديثِ ابن مسعودٍ:«وأبردُ من الثَّلج»(وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ) أي: في الإشراقِ والكثرةِ، ولأحمدَ من رواية الحسن عن أنسٍ:«أكثر من عدد نجوم السَّماء»(مَنْ شَرِبَ) بفتح الشين وكسر الراء (مِنْهَا) من الكيزان، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ:«من يشرب» بلفظ المضارع والجزم، على أنَّ «مَن» شرطيَّة، ويجوزُ الرَّفع على أنَّها موصولةٌ، ولأبي ذرٍّ:«منه» أي: من الحوض (فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا) وعند ابنِ أبي الدُّنيا عن النَّوَّاس بن سمعان: «أوَّل مَن يَرِدُ عليه مَن يسقي كلَّ عطشانٍ».
(١) قال الشيخ قطَّة رحمه الله تعالى: الأولى أن يقول: وإنَّما يقع التفضيل فيما … إلى آخره؛ لأنَّ الكلام فيه، ولعلَّه نقل هذه العبارة عمن ذكرها في التعجب من غير تصرف. (٢) في (ب): «الآخر». (٣) في (ص): «بيتوا»، وفي (د): «سواء». والمثبت موافق للصحاح. (٤) في (ع) و (ص) و (د): «المفاضلة». والمثبت موافق للصحاح. (٥) في (د): «فالحديث».