الله لقولهِ تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ والفسقُ في ذكر غير اسم الله، كما قال في آخر السُّورة: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ إلى قولهِ: ﴿أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ﴾ [الأنعام: ١٤٥] وأجمع المسلمون على أنَّه لا يفسق آكل ذبيحة المسلم التَّارك للتَّسمية. وأيضًا قولهُ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ فإنَّ هذه المناظرة كانت في الميتة كما مرَّ. وقال تعالى: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ وهذا مخصوصٌ بما ذبح على اسم النُّصب؛ يعني: لو رضيتُم بهذه الذَّبيحة الَّتي ذبحتْ على اسم إلَهيَّة (١) الأوثان فقد (٢) رضيتُم بإلَهيَّتِها (٣) وذلك يوجب الشِّرك.
قال إمامنا الشَّافعيُّ ﵀: فأوَّل الآية وإن كان عامًّا بحسب الصِّيغة إلَّا أنَّ آخرها لمَّا حصلتْ فيه هذه القيود الثَّلاثة علمنا أنَّ المراد من العمومِ الخصوص. وقال صاحب «فتوح الغيب» رحمه الله تعالى: والمجادلةُ هي قولهم: لم لا تأكلونَ ما قتله الله، وتأكلون ما قتلتموهُ أنتم؟ وذلك إنَّما يصحُّ في الميتة، فدخل بقولهِ: ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ ما أهلَّ لغير الله فيه. وبقولهِ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ﴾ الميتة، فتحقَّق قول الشَّافعيِّ ﵀: إنَّ النَّهي مخصوصٌ بما ذُبح على النُّصب، أو مات حتفَ أنفهِ. واختُلف في قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ فقيل: جملةٌ مستأنفةٌ، قالوا: ولا يجوزُ أن تكون منسوقة (٤) على سابقتها لأنَّ الأولى طلبيَّة وهذه خبريَّة. وقيل: إنَّها منسوقةٌ على السَّابقة، ولا يضرُّ تخالفهما (٥)، وهو مذهب سيبويه. وقيل: إنَّها حاليَّة، أي: لا تأكلوه والحال أنَّه فسقٌ.
(١) «إلهية»: ليست في (د). (٢) في (س): «لقد». (٣) في (م): «بآلهتها». (٤) في (م): «مسوقة». (٥) في (د) و (م): «مخالفتهما».