بعد التتبع والنظر في أقوال أهل العلم وما ذكره المفسرون في هذه المسألة، يتبين أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن سورة يس كلها مكية بلا استثناء، وذلك من وجهين:
الأول: أنه قد نقل ابن عطية إجماع المفسرين على أن السورة مكية، ولا شك أن الإجماع حجة باتفاق أهل العلم.
قال ابن عطية ﵀: "هذه السورة مكية بإجماع إلا أن فرقة قالت إن قوله، ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ [سورة يس: ١٢] نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول الله ﷺ فقال لهم: «دياركم تكتب آثاركم» " (٢).
الثاني: أن السور المكية؛ لها أسلوب تمتاز به، ومنها سورة يس بقوة الأسلوب، وجزالة اللفظ، بخلاف السور المدنية فإن أسلوبها ألين؛ لأنه يخاطب قومًا آمنوا، ويخاطب أيضًا قومًا فيهم أهل كتاب، ليس عندهم من البلاغة في اللغة العربية ما عند العرب، مما يدل على أن السورة مكية، وإذا جعلناها مكية فإننا لا نقول باستثناء شيء منها؛ لأن الأصل أن السورة المكية كلها مكية، وأن السورة المدنية كلها مدنية (٣).
وهذه السورة بدأت بذكر الأحرف المُقطعة، وفيها يذكر الله تعالى في الآيات قصص موسى ﵊، وتقرير البعث والنشور، مما يتفق مع ضوابط القرآن المكي.
(١) الصحيح المسند من أسباب النزول: الوادعي (ص: ١٧٤). (٢) انظر: المحرر الوجيز: ابن عطية (٨/ ١٧٣)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (١٧/ ٤٠٣)، وانظر: بصائر ذوي التمييز: الفيروز آبادي (١/ ٣٩٠)، وانظر: فتح القدير: الشوكاني (٤/ ٤١١). (٣) انظر: تفسير القرآن الكريم (سورة يس): العثيمين (ص: ٤).