المتأمل في كلام الزمخشري المتقدم يجد أن سبب صدور هذا القول منه، وعدم إقراره بحقيقة النفاق، إنما هو بسبب تبنيه لعقيدة المعتزلة، والله أعلم.
فمن الأصول الفاسدة عند المعتزلة أن صاحب الكبيرة عندهم لا يسمى مؤمناً، ولا كافراً، وإنما يسمى فاسقاً. وحكمه أنه منزلة بين المنزلتين، فلا يكون حكمه حكم الكافر، ولا حكم المؤمن، وإنما له حكم بينهما. هذا في الدنيا. وأما في الآخرة؛ فإنه يخلد في النار، لكن يكون عذابه أخف من عذاب الكافر (١).
وبناء على هذا الأصل الفاسد، قرَّر الزمخشري المعتزلي أن تسمية من ارتكب ما يُفَسَّق به بالمنافق من باب التغليظ. فليس عند المعتزلة أن النفاق ينقسم إلى نفاق أصغر ونفاق أكبر كما عند أهل السنة (٢).
فلو أنه أقر بأن المتصف بالكذب والغدر والخيانة، أنه واقع في النفاق فإنه سيستلزم منه بناء على معتقده أنه كافر، وذلك لأن المنافق كما قال: من أظهر الإيمان وأبطن الكفر. والمعتزلة يقولون أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر.
ولا شك بأن تسمية من ارتكب ما يفسق به المنافق أنه من باب التغليظ مردود، وذلك من أوجه:
الأول: أنه عدول عن ظاهر الحديث الذي سمّى فاعل هذه الكبائر وهي: الكذب والغدر والخيانة- بالمنافق، والأصل الأخذ بظاهر الحديث الذي تدل عليه اللغة.
الثاني: أن الحديث نص على أن فاعل هذه الكبائر نفاقه لا يُخرجه من الملة، فلا يُقال أن إثبات نفاقه يستلزم خروجه من الملة، لأن المنافق يُظهر الإيمان ويُبطن الكفر، فيُعدل عن الحقيقة وهي النفاق إلى التشبيه وإرادة التغليظ، وإنما نص الحديث أن فيه خصلة من النفاق،
(١) انظر: شرح الأصول الخمسة: القاضي عبد الجبار (ص: ٧١)، وانظر: المنية والأمل: ابن المرتضى (ص: ٦). (٢) انظر مسألة تقسيم النفاق إلى أكبر وأصغر في مجموع الفتاوى: ابن تيمية (٧/ ٥٢٤)، وفي مدارج السالكين: ابن القيم (١/ ٣٥٤).