بعد التأمل والنظر فيما ذكره أي تأويل الآية عمومًا وفي هذه المسألة خصوصًا، يظهر أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، من أن الحمد في آية الأنعام وآية النمل، يكون ختمًا وفاتحة، بحسب الوقف عليه، دون التنصيص على الأظهر، وذلك من وجهين:
الأول: أن القاعدة المقررة عند أهل العلم أن القرآن يُفسر بعضه بعضا، فتفسير كلام الله تعالى بكلامه، من أقرب الطرق إلى الصدق والصواب، فإذا دل موضع من القرآن على المراد بموضع آخر فإنه يُحمل عليه، كما نص على هذا غير واحد من أهل العلم (١).
وبناء على ذلك: فإن آية النمل يجوز أن يكون الحمد فيها فاتحة لما بعدها من ذكر إقامة البراهين على وحدانية الله تعالى، ويجوز أن يكون ختمًا لما تقدم من هلاك المُنذَرين.
ويتفرع من هذه القاعدة: النظر في نظائر الآية: فإن آية النمل لها نظائر من آيات أُخر في القرآن، ومن ذلك: أن الله تعالى بعد أن ذكر حال المُعذبين في النار في آخر سورة سبأ وهي قوله تعالى: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ﴾ [سورة سبأ: ٥٤] ثم افتتح سورة فاطر بعدها بالحمد، فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [سورة فاطر: ١]، وهو كقوله تعالى: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنعام: ٤٥](٢).