بين المجلس والقرب، فقال:"يحرم القعود في المجلس لما فيه من الإيهام، فأما إذا أظهر التباين وإن قرب فلا يحرم، ولا خلاف أنه إذا أنكر لا يحرم عليه القعود معهم، ولذلك تقعد العلماء مع أهل الضلالة يُناظرونهم، ويجب لهم بذلك الثواب العظيم"(١).
ولا شك أن ما ذكره الحاكم عبارة عن أقوال لا مستند فيها إلا الرأي، والاحتمال، كما قال القاسمي ﵀.
فالتفريق بين المجلس والقرب لا دليل عليه: بل الأدلة عامة في وجوب الإعراض كما في الآية: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [سورة الأنعام: ٦٨] والإعراض يقتضي المُفارقة سواء كان في مجلس أو كان في مكان قريب من المنكر.
وأما دعوى أنه لا خلاف أنه إذا أنكر لا يحرم عليه القعود معهم: فإن أراد أنه إذا أنكر وزال المنكر فصحيح، وإلا فلا، لما تقدم ذكره من الخلاف، ولقوله تعالى: ﴿حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ و ﴿حَتَّى﴾ للغاية.
وأما الاستدلال بقعود العلماء مع أهل الضلالة لمناظرتهم: فاستدلال في غير محله، لأن الله تعالى يقول: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ والمجادلة تقتضي القعود، فلا تُقاس هذه الحالة مع غيرها، إذ هو قياس مع الفارق.
• النتيجة:
من خلال عرض ما تقدم من أقوال أهل العلم في هذه المسألة وما ذُكر فيها، يتبين أن فيها ثلاث نتائج:
الأولى: أن الراجح فيها مع أصحاب القول الأول، من أنه لا بأس للمسلم أن يحضر للأماكن التي يُتقرب فيها إلى الله تعالى كاتباع الجنائز مع وجود منكرات فيها كالنياحة، وإن عجز عن إزالتها بيده أو لسانه.