عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية" (١).
البقاعي: "هذه الآية مدنية فالتغيير عند إنزالها باللسان واليد ممكن لكل مسلم، فالمجالس من غير نكير راض، فلهذا علل بقوله: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ " (٢).
أبو السعود: " المراد بالإعراض إظهار المخالفة بالقيام عن مجالسهم لا الإعراض بالقلب أو بالوجه فقط" (٣).
• دراسة المسألة:
من خلال النظر في مسألة الإنكار بالقلب في المجالس وما يقرره أهل العلم، يتبين أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، وذلك من أوجه:
الأول: من حيث دلالة النهي في ظاهر الآية: فظاهر الآية يدل على أن الواجب إذا رأى المسلم المنكر والكفر والاستهزاء بآيات الله في المجلس، أن يخرج ولا يقعد، كما يدل عليه قوله تعالى: ﴿فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ﴾ ودلالة النهي تدل على الوجوب، ولم يذكر في الآية أن الجلوس جائز إذا أنكر بقلبه.
الثاني: نظائر الآية: فهذه الآية نظيرها قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [سورة الأنعام: ٦٨]، وفيه الأمر بالإعراض عن المستهزئين بآيات الله، ولا يكون الإعراض إلا بالقيام من المجلس أو الإنكار اللسان، دون الإنكار بالقلب الذي لا يترتب عليه زوال المنكر.
الثالث: أن من لوازم الإنكار بالقلب أن يقترن معه الإعراض.
قال العثيمين ﵀: "ما يفعله بعض الجهال من بقائه مع أهل المنكر الذين يفعلون
(١) الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (٧/ ١٨٥). (٢) نظم الدرر: البقاعي (٥/ ٤٣٩) بتصرف. (٣) إرشاد العقل السليم: أبو السعود (٢/ ٢٤٥).