للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

القشيري (١): "الصحيح والله أعلم: أن ذلك في أهل الكتاب كان في صدر الإسلام، مات رجل من المسلمين ومعه رجلان من أهل الكتاب وأوصى، فأتيا بتركته ووصيته فشهدا واستحلفا، ثم عثر على خيانة منهما، فاستحلف الأولياء وهم ورثة المسلم، واستحقوا الجناية، ثم نُسخ ذلك كله" (٢).

• دراسة المسألة:

يتبين من خلال استقراء ما ذكره أهل العلم من الفقهاء والمفسرين، أنهم اختلفوا في حكم شهادة الذميين على الوصية في السفر عند الموت من حيث الإحكام والنسخ، وأن الذين قالوا بالنسخ استدلوا بقوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [سورة البقرة: ٢٨٢] وقوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [سورة الطلاق: ٢]. فقالوا أن آية البقرة وآية الطلاق تنسخان آية المائدة.

والذي يظهر أن الراجح هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وذلك من أوجه:

الأول: ظاهر اللفظ الذي نص على قبول شهادة غير المسلمين أو من أهل الكتاب على المسلمين في السفر إذا كانت وصية، وهو قوله تعالى: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ أي: من غير ملتكم، كما ذهب إليه أكثر المفسرين (٣).

الثاني: أنه لا يُسلَّم بأن آية سورة البقرة متأخرة عن آية سورة المائدة حتى يُقال أن هذه تنسخ تلك، وذلك لمعارضته بما روي جبير بن نفير (٤) أنه قال: "دخلت على عائشة


(١) وهو: بكر بن محمد بن العلاء أبو الفضل القشيري، العلامة، البصري، المالكي، سمع (الموطأ) من أحمد بن موسى السامي، وصنف التصانيف في المذهب، وسكن مصر، مات سنة ٣٤٤ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: الذهبي (١٥/ ٥٣٧).
(٢) أحكام القرآن: القشيري (ص: ١١٢٩).
(٣) انظر: جامع البيان: الطبري (٩/ ٦١)، وانظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤/ ١٢٢٩)، وانظر: النكت والعيون: الماوردي (٢/ ٧٥)، وانظر: معالم التنزيل: البغوي (٣/ ١١٢).
(٤) وهو: جبير بن نفير الحضرمي، ويكنى أبا عبد الرحمن، وكان جاهليا أسلم في خلافة أبي بكر الصديق، ، وكان ثقة فيما روى من الحديث، ومات سنه ٨٠ هـ في خلافة عبد الملك بن مروان، ينظر: الطبقات الكبرى: ابن سعد (٩/ ٤٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>