قال القاسمي: زعم بعضهم أن هذه الجملة من الآية منسوخة بآية: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [سورة التغابن: ١٦]، متأولا ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ بأن يأتي العبد بكل ما يجب لله ويستحقه. قال: فهذا يعجز العبد عن الوفاء، فتحصيله ممتنع. وهذا الزعم لم يصب المحز، فإن كلا من الآيتين سيق في معنى خاص به، فلا يتصور أن يكون في هذه الجملة طلب ما لا يستطاع من التقوى، بل المراد منها دوام الإنابة له تعالى وخشيته وعرفان جلاله وعظمته قلبا وقالبا، كما بينا. وهذا من المستطاع لكل منيب (١).
• أقوال أهل العلم في قوله تعالى: ﴿حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ من حيث الإحكام والنسخ:
القول الأول: أن الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾.
القول الثاني: أن الآية مُحكمة وليست بمنسوخة.
أصحاب القول الأول:
قتادة: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾: " نسختها هذه الآية التي في التغابن ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ "، وبنحو ذلك روي عن الربيع بن أنس، والسدي، وابن زيد، وغيرهم (٢).
ابن أبي زَمَنِيْن (٣): " ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ هي مثل قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
(١) محاسن التأويل: القاسمي (٤/ ٩١٢). (٢) أخرج أقوالهم ابن جرير الطبري في تفسيره (٥/ ٦٤٢)، وأخرج عنهم ابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٧٢٢) برقم: (٣٩١١)، وأورد نحوا من أقوالهم: الثعلبي في تفسيره (٩/ ٧٤) وابن الجوزي في تفسيره (١/ ٣١١) وابن كثير في تفسيره (٢/ ٣٨٩). (٣) وهو: الإمام، القدوة، الزاهد، أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن أبي زمنين، الأندلسي، شيخ قرطبة، واستبحر من العلم، وصنف في الزهد، وكان صاحب جد وإخلاص، ومجانبة للأمراء. مات سنة ٣٩٩ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: الذهبي (١٧/ ١٨٨).