الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد …
فإن من أعظم نعم الله -تعالى- على البشرية أن أنزل عليهم كتابه المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، جعله الله معجزة خالدة إلى قيام الساعة، من عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن ابتغى الهدى بغيره أضله الله، فكم من قتيل لإبليس قد أحياه القرآن، وكم من ضال تائه قد هُدِيَ بالقرآن، وصفه الله بأنه نورٌ وهدى ورحمة، وفرقانٌ بين الحق والباطل، يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، أعز الله به من والاه واتبعه، وخذل به من عاداه وأعرض عنه.
وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، فهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى، يُحيون بكتاب الله الموتى ويُبَصِّرون به أهل العمى، أعرضوا عن الدنيا الفانية، وأقبلوا على الآخرة الباقية، فهم تارة يعتنون بقراءة القرآن وتارة بالتدبر فيه وتارة بتفسيره وتبصير الناس به، فجزاهم الله عن الناس خير الجزاء، وبارك في حيهم، ورحم من مات منهم.
وكان ممن اعتنى بتفسير كتاب الله- تعالى- جمال الدين القاسمي (ت: ١٣٣٢ هـ) الذي ألف كتاب: محاسن التأويل، الذي تميز بإيراد المأثور في التفسير من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين، واعتنى في تفسيره ببيان قضايا علوم القرآن والقراءات والنحو والبلاغة والأحكام الفقهية والمسائل العقدية وغيرها من القضايا التي تجلي الآية القرآنية.
ولا يخفى على الباحث ولا على المتعلم أهمية دراسة أقوال العلماء السابقين وتعقباتهم على من سبقهم من الأعلام والمفسرين لما فيها من قيمة علمية، ولما في تحرير هذه التعقبات من طريق يوصل إلى معرفة الحق من الباطل، والصحيح من الضعيف في تفسير القرآن، ولما فيها من بيان لقدر أهل العلم وما آتاهم الله -تعالى- من بصيرة، تؤهلهم للنقد والتعقيب على من سبقهم.