للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

• دراسة المسألة:

من خلال النظر فيما ذكره المفسرون وأهل العلم في هذه المسألة، يتبين أن أكثر المفسرين بحسب الاستقراء، ذهبوا إلى أن المراد من الآية: أن الله تعالى لا يؤاخذ المؤمنين إذا استغفروا للمشركين قبل أن يتبين لهم النهي عن الاستغفار للمشركين، وهو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، وهذا هو الأظهر وذلك من وجهين:

الأول: من حيث مناسبة الآية لما قبلها: فإنه تعالى لما بين أنه لا يستغفر للمشركين ولو كانوا أولي قربى، كان في هذه الآية وفي التي بعدها تباين ما بين القرابة حتى منعوا من الاستغفار لهم، فمنع من الاستغفار لعمه أبي طالب وهو الذي تولى تربيته ونصره وحفظه إلى أن مات، ومنع إبراهيم من الاستغفار لأبيه وهو أصل نشأته ومربيه، وكذلك منع المسلمون من الاستغفار للمشركين أقرباء وغير أقرباء، فكأنه قيل: لا تعجب لتباين هؤلاء، هذا خليل الله، وهذا حبيب الله، والأقرباء المختصون بهم المشركون أعداء الله، فإضلال هؤلاء لم يكن إلا بعد أن أرشدهم الله إلى طريق الحق (١).

الثاني: من حيث ما ورد في نزول الآية: وذلك أن بعض الصحابة خاف على نفسه من الاستغفار للمشركين دون أمر من الله تعالى فنزلت الآية مؤنسة، أي ما كان الله بعد أن هدى إلى الإسلام وأنقذ من النار ليحبط ذلك ويضل أهله لمواقعتهم ذنبا لم يتقدم منه نهي عنه، فأما إذا بين لهم ما يتقون من الأمور ويتجنبون من الأشياء فحينئذ من واقع بعد النهي استوجب العقوبة (٢).

فإن قيل: ذكر بعض المفسرين سببًا لنزول الآية ظاهره يدل على أنها نزلت في قوم لم يستغفروا للمشركين، وهو: أن الله تعالى أنزل الفرائض على رسوله، فعمل بها رسول الله . ثم إن الله تعالى أنزل ما ينسخ به الأمر الأول، وقد غاب الناس عن النبيّ فلم يبلغهم ذلك، فعملوا بالمنسوخ، وكانوا يصلون إلى القبلة الأولى ولا يعلمون، ويشربون


(١) انظر: المحرر الوجيز: ابن عطية (٥/ ١٢٠)، وانظر: لباب التأويل: الخازن (٢/ ٤١٣)، وانظر: التسهيل: ابن جزي (١/ ٣٤٩)، وانظر: فتح القدير: الشوكاني (٢/ ٤٦٩).
(٢) انظر: البسيط: الواحدي (١١/ ٧٨، ٧٩)، وانظر: البحر المحيط: أبو حيان (١١/ ٤٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>