لا شك أن التعقب عمل له قيمته العلمية، فليس من الانصاف اعتباره عملا سلبيًا عديم الفائدة، فهو يُساعد على بناء الحوار الفكري الذي تتبادل فيه الآراء والمفاهيم التي تهدف إلى الوصول لمعرفة الصواب والحق الذي يجب اتباعه.
والانسان بطبعه معرَّض للخطأ والزلل، كما قال النبي ﷺ:"كل ابن آدم خطاء … الحديث"(١)، فكان من رحمة الله تعالى بعباده أنه يهيئ لهم من يُبين الصواب من الخطأ والحق من الباطل، كي لا يسير الناس على خُطى من أخطأ ولم يُوَفق، فيتحمل أوزار من تبعه.
فللتعقبات أهمية وفوائد جمة مُجملها فيما يلي:
أولا: أنه يُحرر الباحث من قيود التعصب والتقليد الذي ذمه العلماء قديمًا كما قال الشافعي ﵀: "وبالتقليد أغفلَ من أغفلَ منهم، والله يغفر لنا ولهم"(٢)، ويُنمي فيه ملَكة التحري والتثبت، والبحث في الأدلة للوصول إلى وجه الحق، فكل إنسان يؤخذ من قوله ويُرَد.
ثانيًا: معرفة مكانة وقدر أهل العلم، فكُلَّما قلَّ خطأ العالم كلَّما ازدادت الثقة فيه بالبحث بأقواله في المسائل التي يُخالف فيها غيره من أهل العلم.
ثالثًا: في دراسة التعقبات إثراء للعلم، وترسيخ لأصول البحث العلمي المبني على التحقيق والتمحيص وروح الحوار والمناظرة وتقبل النقد، للوصول إلى الحق.
(١) أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب صفة القيامة: باب: (٤٩)، برقم: (٢٤٩٩) وقال الألباني: "حديث حسن"، وأخرجه الحاكم في مستدركه (٤/ ٢٧٢) برقم: (٧٦١٧) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ". (٢) الرسالة: الشافعي (ص: ٣٤)