استدل مالك بقوله: ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا﴾ على أن من حلف لا يكلم زيدا، فأرسل إليه رسولا أو كتابا، أنه يحنث. لأنه تعالى استثناه من الكلام، فدل على أنه منه (١).
قال القاسمي: وفيه بعد. إذ لا يقال لمن ألهمه الله، إنه كلمه إلا مجازا. فلا يكون الاستثناء متصلا (٢).
• أقوال أهل العلم في الاستثناء وما يترتب عليه من معنى في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾:
القول الأول: أن الاستثناء متصل، وعليه: يكون الوحي بمعنى الكلام، أو نوعًا من الكلام.
القول الثاني: أن الاستثناء منفصل، وعليه: يكون الوحي بمعنى الالهام أو الاعلام، وليس بمعنى الكلام.
أصحاب القول الأول:
العمراني:"الاستثناء إنما يكون من جنس المستثنى منه، ولقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا﴾ والوحي: هو الرسالة، فدل على أن الوحي كلام. ولأن الجميع وضع لتفهيم الآدمي، فأشبه الكلام"(٣).
ابن الحاجب (٤): " ويجوز أن يكون استثناء منقطعا، وليس بواضح إذ المفهوم من
(١) انظر: بحر المذهب: الروياني (١٠/ ٥٢٤)، وانظر: الإكليل: السيوطي (ص: ٢٣١). (٢) محاسن التأويل: القاسمي (١٤/ ٥٢٥٥). (٣) البيان في مذهب الإمام الشافعي: العمراني (١٠/ ٥٥٧). (٤) وهو: أبو عمرو عثمان بن عمر الدوني المصري، الفقيه المالكي المعروف بابن الحاجب، الملقب جمال الدين، نشأ في القاهرة، وبرع في علومه وأتقنها غاية الإتقان، ثم انتقل إلى دمشق، مات سنة ٦٤٦ هـ. ينظر: وفيات الأعيان: ابن خلكان (٣/ ٢٤٨).