الثاني: من جهة المعنى: فقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته ﷺ، ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله وهو كفر أو يتسور عليه الشيطان ويشبه عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه ويعتقد النبي ﷺ أن من القرآن ما ليس منه حتى ينبهه جبريل ﵇ وذلك كله ممتنع في حقه ﷺ(١).
ثالثًا: في مدى اعتراف ابن تيمية ﵀ في تقدير ثبوت قصة الغرانيق:
قال ابن تيمية:"في الآية قولان والمأثور عن السلف يوافق القرآن بذلك. والذين منعوا ذلك من المتأخرين طعنوا فيما ينقل من الزيادة في سورة النجم بقوله (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى) وقالوا: إن هذا لم يثبت. ومن علم أنه ثبت قال: هذا ألقاه الشيطان في مسامعهم، ولم يلفظ به الرسول ﷺ. ولكن السؤال وارد على هذا التقدير أيضا"(٢).
احتج القاسمي ﵀ على ابن تيمية من أن ما ذهب إليه فيه نظر، فقال:"اعترافه بأن السؤال وارد على تقدير ثبوتها، وإلقاء الشيطان ذلك في مسامعهم، مما يبرهن أن فيها مغامز تنبذها العقول، كما نبذتها صحة النقول"(٣).
وهذا -والله أعلم- لا يدل على اعترافه بالتقدير والشك في ثبوتها، لأنه ذكر أن من المتأخرين من طعنوا في ثبوتها، وقولهم لا يُقدم ولا يُقارن بقول السلف على فرض صحته.
• النتيجة:
بعد ذكر ما تقدم من أقوال أهل العلم في هذه المسألة، يتبين أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، من عدم ثبوث قصة الغرانيق سندا ومتنًا، وهو ما ذهب إليه القاسمي ﵀.
وأن الصواب أن المراد من التمني في الآية: التلاوة، وأن الإلقاء كان في الآيات، وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية بخلاف ما ذهب إليه القاسمي ﵀.
(١) انظر: الشفا: القاضي عياض (٢/ ٢٩٣)، وانظر: أحكام القرآن: ابن العربي (٣/ ٣٠٤ - ٣٠٦). (٢) مجموع الفتاوى: ابن تيمية (١٠/ ٢٩١). (٣) محاسن التأويل: القاسمي (١٢/ ٤٣٦٠).