نشأت التعقبات والاستدراكات في التفسير مع أول نشأة التفسير وظهوره، إذ هي طريقة معتبرة في بين المعاني الصحيحة من البعيدة، بل كان أسلوب التعقبات والنقد في التفسير من الأساليب المميزة في الرد والتصحيح والتنقيح التي سلكها سلفنا الصالح رضوان الله عليهم من المفسرين.
وقد كان أول ظهورها منذ العهد النبوي، ويظهر ذلك في بيان رسول الله ﷺ لمعاني القرآن الكريم، فقد أخذ هذا الأسلوب بحظه من البيان النبوي، ومن ثم صار منهجًا مُتبعًا في تفاسير الصحابة والتابعين وتابعيهم، ومن بعدهم أئمة التفسير، اقتداء بالهدي النبوي في ذلك، فظهرت آثاره الحميدة وعوائده الجليلة بفوائد جمة في تفسير كتاب الله تعالى.
وقد تنوعت التعقبات والاستدراكات النبوية، وتعقبات الصحابة واستدراكهم على بعضهم، وعلى التابعين، وكذا التابعين على الصحابة رضوان الله عليهم، وعلى بعضهم، وعلى أتباعهم (١). ولعلي أذكر بعضًا من الأمثلة على ما سبق ذكره مما هو متعلق بعلم التفسير:
[أولا: التعقب في التفسير]
من أمثلة ذلك ما تعقبه ﷺ على الصحابة في فهمهم لمعنى الظلم في آية الأنعام كما روى البخاري عن عبد الله، قال: لما نزلت: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [سورة الأنعام: ٨٢] شق ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ، وقالوا: أينا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله ﷺ:"ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: ﴿يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة لقمان: ١٣] "(٢)، فهذا تعقب صريح من النبي ﷺ على
(١) ومن أبرز هؤلاء الصحابة الذين كان لهم نصيب في هذا الميدان أم المؤمنين عائشة ﵂ لكثرة ما استدركته على الصحابة. يُراجع في هذا كتاب: الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي، وقد طبعه المكتب الإسلامي بتحقيق سعيد الأفغاني، ويُنظر كذلك كتاب: استدراكات السلف في التفسير لنايف الزهراني، الذي طبعته دار ابن الجوزي، فقد ذكر أمثلة عديدة من استدراكات الصحابة ﵃، وكذلك من التابعين. (٢) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب ظلم دون ظلم، برقم: (٣٢)، وأخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب صدق الإيمان وإخلاصه، برقم: (١٩٧).