الثالث: أن قوله: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ متعلق بقوله: ﴿اتَّخِذُونِي﴾ على أنه حال: أي متجاوزين الحد، ويجوز أن يتعلق بمحذوف هو صفة لإلهين: أي كائنين من دون الله، فالمراد اتخاذهما بطريق إشراكهما به سبحانه إذ به يتأتى التوبيخ ويتسنى التقريع والتبكيت (١).
الرابع: أن كلمة ﴿دُونِ﴾ اسم للمكان المجاوز، ويكثر أن يكون مكانا مجازيا مرادا به المغايرة، فتكون بمعنى (سوى) ونظير ذلك أن لفظ: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ في قوله تعالى: ﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾ [سورة المائدة: ٧٦] المراد به: غير الله. فـ (دون) اسم للمغاير، فهو مرادف لسوى، أي: أتعبدون معبودا هو غير الله، أي أتشركون مع الله غيره في الإلهية. وليس المعنى أتعبدون معبودا وتتركون عبادة الله (٢).
الجواب عن قول الشهاب الخفاجي:
إن كلمة ﴿دُونِ﴾ في هذه الآية وأمثالها بمعنى (غير) كما حققه اللغويون. ولا تفيد، وضعا، الاستقلال والبدلية، كما توهم وسر ذكرها إفهام الشركة. لأنه لولاها لتوهم دعوى انحصار الألوهية فيما عداه. مع أنهم لا يعتقدون ذلك. ولا يفهم من نحو (اتخذت صديقا من دوني) الاستبدال. فذاك من قرينة خارجية. وإلا فالمثال لا يعينه. لجواز إرادة اتخاذه معه كما لا يخفى (٣).
• النتيجة:
بعد ذكر ما تقدم من أقوال أهل العلم في هذه المسألة، يتبين أن الراجح بأن يُقال: أن قوله تعالى: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ بمعنى: سوى الله، المراد إشراكهما مع الله من باب التقريع والتبكيت، لما تقدم إيراده من الأوجه الدالة على ذلك، والله أعلم.
(١) انظر: إرشاد العقل السليم: أبو السعود (٣/ ١٠٠)، وانظر: فتح القدير: الشوكاني (٢/ ١٠٨)، وانظر: روح المعاني: الآلوسي (٧/ ٤٩٣). (٢) انظر: التحرير والتنوير: ابن عاشور (٦/ ٢٨٨)، (٧/ ١١٣). (٣) انظر: محاسن التأويل: القاسمي (٦/ ٢٢٢٢).