ابن عرفة:"وقوله تعالى: ﴿بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة النور: ٥]، هذا ظلم الكفر لا ظلم المعصية المذكور، في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ "(٣).
• دراسة المسألة:
الناظر في حال أهل البدع، وفساد عقائدهم المبنية على الهوى، وكيف أنهم يُفسرون القرآن والسنة بما يوافق أهواءهم ومذاهبهم، ويردون ما صح عن الرسول ﷺ من أحاديث، وما صح عن الصحابة من آثار تُخالف أهواءهم ويلوون أعناقها، لا يستغرب أن يصدر من المعتزلة مثل هذا التأويل الذي يُخالف ما عليه عامة أهل العلم من السلف والمفسرين.
والذي حمل الزمخشري ومن معه من القول بأن المراد من الظلم في الآية: المعصية، هو معتقده الفاسد في وجوب وعيد العصاة، وأنهم لاحظ لهم في الأمن يوم القيامة كالكفار.
ولا شك أن الحق هو ما عليه عامة أهل العلم من السلف وأئمة التفسير، من أن المراد من الظلم في الآية: الشرك، وذلك من أوجه:
الأول: دلالة السنة: فقد أخرج الشيخان في صحيحهما عن ابن مسعود ﵁: "لما نزلت الآية شق ذلك على المسلمين، وقالوا: أينا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله ﷺ: "ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه: ﴿يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة لقمان: ١٣]؟ " (٤).
(١) وهو: أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي، العلامة، شيخ المعتزلة، المعروف: بالكعبي، من نظراء أبي علي الجبائي، له من التصانيف كتاب (المقالات)، وكتاب (الغرر)، مات سنة ٣٠٩ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء: الذهبي (١٤/ ٣١٣). (٢) انظر: روح المعاني: الآلوسي (٨/ ٢٧٦). (٣) تفسير ابن عرفة (٣/ ٢٢٩). (٤) أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى ﴿ولقد آتينا لقمان الحكمة﴾ برقم: (٣٤٢٩)، وأخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب صدق الإيمان وإخلاصه، برقم: (١٢٤)، وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره من طرق عدة (٣/ ٥٦٩ - ٥٧١).