من خلال استقراء ما ذكره أهل العلم من بعض الأدلة والأقوالـ، والاجتهادات في هذه المسألة، يتبين أن الأولى هو عدم الخوض في ثبوت نبوة ذي القرنين من عدمها، فإذا كان النبي ﷺ وهو خير البشر وأعلمهم وأتقاهم قد قال:"وما أدري ذو القرنين نبيا كان أم لا؟ "(١)، فكيف بغيره.
ولكن على احتمال أن النبي ﷺ قال ذلك في بداية العهد، ثم أعلمه الله أكان ذو القرنين نبيًا أم لا، فإن الصواب في هذه المسألة أن ذا القرنين كان ملكًا، أو كان عبدا صالحًا، ولم يكن نبيًا، وهو الذي عليه أكثر أهل العلم (٢)، وهو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، وذلك من وجهين:
الأول: أن مثل هذه المسائل تحتاج إلى دليل قاطع، وليس مجرد الوقوف على أقوال فحسب، وذلك لشرف مقام النبوة.
الثاني: ما روي في الأخبار أن ذا القرنين أسلم على يدي إبراهيم الخليل، وطاف معه بالكعبة المكرمة هو وإسماعيل، ﵇(٣).
وهذا يدل على أن ذا القرنين لم يكن مُسلمًا، إنما كان وثنيًا باعتبار الغالب في القوم الذين كانوا في عهد إبراهيم ﵇ والله أعلم، والأنبياء لم يُعرف من أحدهم أنه كان يعبد صنماً أو وثنًا حتى قبل أن يوحى إليه، وذلك لسلامة طبعهم وفطنتهم، وما جُبلوا عليه.
(١) أخرجه الحاكم في مستدركه (٢/ ١٧)، يرقم: (٢١٧٤) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأورده السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٤٣٥). (٢) نص على هذا البغوي في معالم التنزيل (٥/ ١٩٨)، والخازن في لباب التأويل (٣/ ١٧٥)، وابن عادل الحنبلي في اللباب (١٢/ ٥٥٣). (٣) انظر: البداية والنهاية: ابن كثير (٢/ ٥٣٨).