الثالث: أن تخصيص الخطاب بالنصارى الذين اعتقدوا في عيسى ﵇ بالألوهية أبلغ من تعميم الخطاب لهم ولغيرهم، وذلك لأن فيه تخصيص عيسى ﵇ بأنه لا يملك النفع والضر وهو من أفضل الرسل، فكيف بمن اعتقد في غيره كالأصنام والأولياء والصالحين بأن يقال فيه: إنه يملك ضرا أو نفعا، والله أعلم.
تنبيهان:
الأول: في هذه المسألة لا يُقال أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيُقال بأن الخطاب عام بالنصارى وغيرهم، وذلك لأن المقام مقام خطاب موجه، وأما من حيث الاستدلال فإنه لا شك أن الذي لا يملك النفع والضر لا يستحق العبادة أيا كان، وليس خاصًا بعيسى ﵇، فالعبرة في الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
الثاني: العبارة المنسوبة لابن عباس في تنوير المقباس هي: " ﴿أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ الأصنام ﴿مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا﴾ ما لا يقدر لكم على دفع الضرر في الدنيا ولا في الآخرة "، وهذه العبارة ليست صريحة بتخصيص الأصنام، فهي تحتمل احتمالان:
الاحتمال الأول: أن ذكر الأصنام باعتبار الغالب، فكان الغالب في ذلك العصر هو عبادة الأصنام.
الاحتمال الثاني: أن ذكر الأصنام للتخصيص، فإن كان كذلك فهذا المعنى يأباه السياق كما تقدم، والله أعلم.
• النتيجة:
يتبين مما تقدم ذكره من أقوال أهل العلم في هذه المسألة، أن الراجح هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، من أن الخطاب في قوله تعالى: ﴿قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ خاص بالنصارى، لما تقدم ذكره من الأوجه التي تؤيد ذلك، والله أعلم.