بعد التتبع والنظر والاستقراء في أقوال أهل العلم وما أورده المفسرون وذكروه في هذه المسألة، يظهر أن الصواب هو ما عليه أصحاب القول الثاني من أن المراد من الأنفال: الغنائم التي أُخذت من الكفار بقتال في غزوة بدر، وهو الذي عليه أكثر المفسرين (١)، وذلك من أوجه:
الأول: من حيث سبب النزول: فقد روى أبو داود بإسناده عن مصعب بن سعد (٢)، عن أبيه: أنه قال: لما كان يوم بدر، جئت بسيف، فقلت: يا رسول الله! إن الله قد شفى صدري من المشركين، أو نحو هذا، هب لي هذا السيف، فقال:"ليس هذا السيف لك ولا لي"، فقلت: عسى أن يعطى هذا من لا يبلي كبلائي، فجاءني الرسول ﷺ، وقال:"إنك سألتني، وليست لي، وقد صارت لي، فهو لك"، فنزلت: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ الآية (٣).
ووجه الدلالة: أن نزول قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ﴾ سببه سؤال سعد بن أبي وقاص ﵁ النبي ﷺ السيف الذي غنمه في يوم بدر، مما يدل على أن المراد من الأنفال: الغنائم.
الثاني: من حيث اللغة: فإنه يجوز أن يُراد من الأنفال الغنائم، وذلك أن النفل في اللغة هو الزيادة، ومنها نفل الصلاة، وهو الزيادة على فرضها، وولد الولد نافلة؛ لأنه زيادة على الولد، والغنيمة نافلة؛ لأنها زيادة فيما أحل لهذه الأمة مما كان محرما على غيرها، ثبت عن النبي ﷺ أنه قال:«أحلت لي الغنائم»(٤).
(١) نص على هذا جمع من المفسرين، انظر: معالم التنزيل: البغوي (٣/ ٣٢٥)، وانظر: لباب التأويل: الخازن (٢/ ٢٩٠)، وانظر: بصائر ذوي التمييز: الفيروز آبادي (٥/ ١٠٩)، وانظر: السراج المنير: الشربيني (١/ ٥٥٢). (٢) وهو: مصعب بن سعد بن أَبي وقاص القرشي الزُّهْرِيّ، أَبُو زرارة المدني، كان ثقة كثير الحديث، روى عن جمع من الصحابة منهم: أبيه سعيد بن أبي وقاص، وصهيب بن سنان، مات سنة ١٠٣ هـ. ينظر: تهذيب الكمال: المزي (٢٨/ ٢٦). (٣) أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأنفال، برقم: (٣٠٧٩)، قال الألباني: حديث حسن صحيح، وانظر: الصحيح المسند من أسباب النزول: الوادعي (ص: ٩٦). (٤) أخرجه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب قول النبي ﷺ أحلت لكم الغنائم، برقم: (٣١٢٢)، وأخرجه مسلم، كتاب المساجد، برقم: (٥٢١).