سليمان بن عبد الله:"يخبر تعالى عن الذين غلبوا على أمر أصحاب الكهف أنهم قالوا هذه المقالة ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾، وقد حكى ابن جرير في القائلين في ذلك قولين، أحدهما: أنهم المسلمون. والثاني: أنهم المشركون. وعلى القولين فهم مذمومون"(١).
السعدي:" ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ أي: نعبد الله تعالى فيه، ونتذكر به أحوالهم، وما جرى لهم، وهذه الحالة محظورة، نهى عنها النبي ﷺ، وذم فاعليها، ولا يدل ذكرها هنا على عدم ذمها"(٢).
• دراسة المسألة:
هذه المسألة من المسائل المشكلة في الحقيقة، وذلك أن في ظاهرها التعارض بين ظاهر الآية الذي يدل على جواز اتخاذ المساجد على القبور، مع ما صح عن النبي ﷺ في النهي عن ذلك. فالآية مشكلة الظاهر والنظم، كما يقول الواحدي (٣).
وأفضل من حل هذا الإشكال بحسب البحث والنظر هو الشنقيطي في تفسيره إذ يقول:"اعلم أن ما يزعمه بعض من لا علم عنده: من أن الكتاب دل على اتخاذ القبور مساجد، يعني قوله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ في غاية السقوط، وقائله من أجهل خلق الله.
والجواب عن الاستدلال أن تقول: من هؤلاء القوم الذين قالوا: لنتخذن عليهم مسجدًا؟ أهم ممن يقتدى به! أم هم كفرة لا يجوز الاقتداء بهم؟ وقد قال أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله تعالى في هؤلاء القوم ما نصه: "وقد اختلف في قائلي هذه المقالة، أهم الرهط المسلمون أم هم الكفار"؟ فإذا علمت ذلك فاعلم أنهم على القول بأنهم كفار فلا إشكال في أن فعلهم ليس بحجة، إذ لم يقل أحد بالاحتجاج بأفعال الكفار كما هو ضروري، وعلى القول بأنهم مسلمون كما يدل له ذكر المسجد لأن اتخاذ المساجد من
(١) تيسير العزيز الحميد: سليمان بن عبد الله (ص: ٣١٠). (٢) تيسير الكريم الرحمن: السعدي (ص:، وانظر: تفسير القرآن الكريم (سورة الكهف): العثيمين (ص: ٤١). (٣) انظر: البسيط: الواحدي (١٣/ ٥٧٤).