المتأمل والناظر فيما ذكره المفسرون من معنى نقصان الأرض في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾، يجد أن جميع الأقوال التي ظاهرها التعارض محتملة، إلا أن الأقرب للصواب لعله ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، وذلك من أوجه:
الأول: من حيث سياق الآيات: وذلك أن الله توعد الذين سألوا رسوله الآيات من مشركي قومه بقوله: ﴿وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ [سورة الرعد: ٤٠] ثم وبخهم تعالى ذكره بسوء اعتبارهم ما يعاينون من فعل الله بضربائهم من الكفار، وهم مع ذلك يسألون الآيات، فقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ بقهر أهلها، والغلبة عليها من أطرافها وجوانبها، وهم لا يعتبرون بما يرون من ذلك (١).
والشاهد هو قوله تعالى: ﴿أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ أي: أفهؤلاء المشركون غالبونا؟ وقد رأوا قهرنا من أحللنا بساحته بأسنا في أطراف الأرضين؟ ليس ذلك كذلك، بل نحن الغالبون (٢).
ومن نظائرها: قوله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ﴾ [سورة الرعد: ٣١] على قول من قال: إن المراد
(١) جامع البيان: الطبري (١٣/ ٥٧٩)، بتصرف. (٢) انظر: جامع البيان: الطبري (١٦/ ٢٨١، ٢٨٢)، وانظر: معاني القرآن: الزجاج (٣/ ١٥١)، وانظر: معاني القرآن: النحاس (٣/ ٥٠٤، ٥٠٥)، وانظر: الوجوه والنظائر: أبو هلال العسكري (ص: ٧٧)، وانظر: نزهة الأعين النواظر: ابن الجوزي (ص: ١٦٨).