للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

• دراسة المسألة:

يتبين من خلال ما تقدم إيراده من أقوال أهل العلم في هذه المسألة، أن القول بأن الخطاب في هذه الآية عام للنصارى وغيرهم مما انفرد بها الحافظ ابن كثير قديمًا، وتبه بعض المعاصرين، بينما الذي عليه أكثر أهل العلم من المفسرين -بحسب الاستقراء- أن الخطاب خاص بالنصارى، وهذا هو الراجح، وذلك من وجهين:

الأول: دلالة السياق: فسياق الآيات السابقة في الحديث عن المسيح ابن مريم وإثبات عبوديته لله، والآيات اللاحقة في النهي عن الغلو في الدين، وجميعه خطاب احتجاج وتوجيه للنصارى، فكان حمل الخطاب في الآية بتخصيصه للنصارى أوفق للتركيب والنظم.

وإدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده لتفسير كتاب الله تعالى من القواعد التي اعتمدها أهل العلم قديما.

قال مسلم بن يسار (١): "إذا حدثت عن الله فقف، حتى تنظر ما قبله وما بعده" (٢).

وقال الزركشي: " دلالة السياق ترشد إلى تبيين المجمل والقطع بعدم احتمال غير المراد وتخصيص العام وتقييد المطلق وتنوع الدلالة وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم فمن أهمله غلط في نظيره وغالط في مناظراته" (٣).

الثاني: مما يدل على أن الخطاب خاص بالنصارى، أنه قد ثبت إقرارهم أن عيسى كان جنينا في بطن أمه لا يملك لأحد ضرا ولا نفعا، وهذا موافق لنص الآية، وإذ أقروا أن عيسى كان في حال من الأحوال لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم ولا ينفع ولا يضر، فكيف اتخذوه إلها (٤).


(١) وهو: مسلم بن يسار البصري أبو عبد الله مولى بني امية، ويقال مولى طلحة بن عبيد الله، روى عن عبادة بن الصامت، وعن ابى الاشعث الصنعاني، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة ١٠٠ هـ. ينظر: الجرح والتعديل: ابن أبي حاتم (٨/ ١٩٨).
(٢) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (١/ ١٥).
(٣) البرهان في علوم القرآن: الزركشي (٢/ ٢٠٠).
(٤) انظر: معاني القرآن: النحاس (١/ ٢٧٨)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (٨/ ١٠٢)، وانظر: البحر المحيط: أبو حيان (٨/ ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>