الآلوسي: "واستدل الكيا بالآية على وجوب مواراة الميت ودفنه. وقال ابن عبد البر: احتج ابن القاسم بها على قطع النباش لأنه تعالى جعل القبر للميت كالبيت للحيّ فيكون حرزا ولا يخفى ضعف الاستدلالين" (٢).
• دراسة المسألة:
بعد التتبع والنظر في أقوال أهل العلم وما ذكره المفسرون في هذه المسألة، يتبين أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني من أن الآية على ظاهرها، فقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا﴾ على ظاهره، بأن الأرض تكفت الأحياء في المساكن والمنازل، فتضمهم فيها وتجمعهم، والأموات في بطونها في القبور، وذلك من أوجه:
الأول: أن القول بأن المراد من الكفت: بأن الأرض تضم الناس في بطنها، وتحفظهم، وأن الآية على ظاهرها، دون الاستدلال على وجوب مواراة الميت أو وجوب قطع يد النباش، هو الذي عليه جماعة من السلف، كابن عباس، ومجاهد، والشعبي، وقتادة (٣)، وهم أعلم بالتنزيل ممن جاء بعدهم، ولا يُعلم لهم مخالف.
الثاني: سياق الآيات وظاهرها الذي يدل على أن الله تعالى يمتن على عباده بتعداد نعمه عليهم، وتذكيره بآلائه ونعمه وقدرته وسلطانه، بأن جعل لهم الأرض كفاتا للأحياء والأموات، ليشكروا الله تعالى، ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [سورة طه: ٥٥](٤).
وقوله تعالى بعد الآية ﴿أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾ جاءت مُنَكّرة للتفخيم، أي: تكفت أحياء لا
(١) أحكام القرآن: ابن الفرس (٢/ ٤١٤). (٢) روح المعاني: الآلوسي (٢٨/ ١٨٦). (٣) أخرج أقوالهم ابن جرير الطبري في تفسيره (٢٣/ ٥٩٦ - ٥٩٨). (٤) انظر: تأويلات أهل السنة: الماتريدي (١٠/ ٣٨٢)، وانظر: درة التنزيل: الخطيب الإسكافي (١/ ١٣٢٢)، وانظر: تيسير الكريم الرحمن: السعدي (ص: ٩٠٤).