بعد التتبع والاستقراء والنظر فيما ذكره المفسرون في هذه المسألة وما تم إيراده من أقوال أهل العلم، يظهر أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، من أن الضمير في قوله تعالى: ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ للمؤمنين، وذلك من أوجه:
الأول: أن سياق الآيات وظاهرها في النهي عن طرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، ولا شك أنهم المؤمنون، فجاءت جملة ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ تعليل للنهي عن طردهم، أو إبطال لِعلة الهم بطردهم، أو لعلة طلب طردهم، ونحو ذلك.
والكناية في قوله ﴿فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ عائدة لا محالة إلى هؤلاء الفقراء، فوجب أن يكون سائر الكنايات عائدة إليهم (١).
والضمائر في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ الآية، متعددة في سياق واحد، وهي للمؤمنين مما لا شك فيه، والقاعدة المقررة أنه:[إذا اجتمع ضمائر فحيث أمكن عودها لواحد فهو أولى من عودها لمختلف](٢).
الثاني: نظائر الآية الدالة على أن الضمير للمؤمنين، فقوله تعالى: ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾، كقول نوح ﵇ في الذين قالوا: ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ﴾ [سورة الشعراء: ١١٣] أي: إنما حسابهم على الله ﷿، وليس
(١) انظر: مفاتيح الغيب: الرازي (١٢/ ٥٤٢). (٢) انظر: البرهان: الزركشي (٤/ ٣٥)، وانظر: قواعد الترجيح: حسين الحربي (٢٤١).