المبحث الثاني القيمة العلمية لتعقبات القاسمي في تفسيره.
تُعتبر التعقبات سِمة من سمات أهل العلم من السلف الصالح ومن سار على طريقتهم، إذ يُبتغى من ورائها إصابة الحق، والتمييز بينه وبين الباطل، وسد الخلل والثغر الذي لا يسلم من إنسان مهما بلغ في العلم، وإن كان أوحد عصره، "فليس من ناقل خبر وحامل أثر من السلف الماضين الى زماننا وان كان من أحفظ الناس وأشدهم توقيا واتقانا لما يحفظ وينقل الا الغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله"(١).
يقول الإمام المُزني (٢)﵀"لو عورض كتاب سبعين مرة لوجد فيه خطأ، أبى الله أن يكون كتاب صحيحا غير كتابه"(٣).
ولا لوم على العلماء إن وقع منهم الخطأ والزلل، بل نحسب أن يكون في اجتهادهم الذي أخطأوا فيه أنهم مأجورون، لحديث عمرو بن العاص، أنه سمع النبي ﷺ يقول:"إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"(٤). وذلك لأن "الكلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو: كلام الله الحكيم، وكلام من شهد بعصمته القرآن الكريم. وكلّ كلام بعد ذلك فله خطأ وصواب، وقشر ولباب"(٥).
(١) التمييز: مسلم بن الحجاج (ص: ١٧٠). (٢) وهو: أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو المزني المصري، الإمام، العلامة، فقيه الملة، علم الزهاد، تلميذ الشافعي، كان رأسا في الفقه، صنف كتبا كثيرة، مات سنة أربع وستين ومائتين. ينظر: سير أعلام النبلاء: الذهبي (١٢/ ٤٩٢ - ٤٩٥). (٣) موضح أوهام الجمع والتفريق: الخطيب البغدادي (١/ ١٤). (٤) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد، برقم: (٧٣٥٢)، ومسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد، برقم: ٣٢٤٠. (٥) الروض الباسم: ابن الوزير (١/ ١٧).