أبدانهم، بل روي عنه ما يدل على خلاف ذلك مما احتج به الجمهور على طهارة أبدانهم من الأحاديث الصحيحة (١).
فالشاهد هو أن النبي ﷺ ساوى بين المشركين وبين أهل الكتاب ولم يُعامل قوماّ منهم معاملة الأنجاس دون قوم حتى يُقال: أن أهل الكتاب لهم أحكام تخصهم، فصح الاستدلال بإباحة طعام أهل الكتاب ونسائهم على عدم نجاسة المشركين الحسية.
الثاني: أن التفريق بين أهل الكتاب والمشركين في الأحكام ليس على إطلاقه، إلا ما خصّه الدليل، وقد نص الله على أنهم من المشركين كما قال تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [سورة التوبة: ٢٩] وصرح بأن أهل الكتابين من المشركين في قوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [سورة التوبة: ٣١](٢)، فإذا اجتمع أهل الكتاب مع غيرهم من أهل الكفر في الشرك بالله - غير ما خصه الدليل في أهل الكتاب- كان حكمهم واحد في عدم نجاسة أبدانهم، والله أعلم.
• النتيجة:
بعد ذكر ما تقدم من أقوال أهل العلم في هذه المسألة، يظهر أن الراجح هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من صحة الاستدلال بإحلال ذبائح أهل الكتاب ونكاح نسائهم، بعدم نجاسة أبدان المشركين خلافًا لما ذهب إليه القاسمي ﵀، لما تقدم إيراده من الأوجه الدالة على ذلك، والله أعلم.
(١) انظر: تفسير المنار: محمد رشيد رضا (١٠/ ٢٤٢). (٢) انظر: العذب النمير: الشنقيطي (٥/ ٤٠٦).