من خلال ما تقدم ذكره من أقوال أهل العلم، واستقراء ما قيل في هذه المسألة، يتبين أن كُلا من الفريقين له ما يؤيده لما ذهب إليه، وبيان ذلك فيما يلي:
أولا: أصحاب القول الأول الذين ذهبوا إلى أن المراد: وما أنتم بمعجزين في الأرض، ولا في السماء لو كنتم فيها. يؤيد ما ذهبوا إليه وجهين:
الأول: أن المراد نفي الإعجاز من المخلوقين من باب التعجيز والتحدي: ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [سورة النساء: ٧٨]. فالمعنى: لا تعجزوننا هربا ولو كنتم في السماء (١).
فيكون معنى: ﴿وَمَا أَنْتُمْ﴾ يا أهل الأرض تعجزون الله هربا في الأرض، ولا في السماء لو صعدتم إلى السماء، ولا ينفعكم الهرب إليها، ويكون في معنى قوله: ﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ [سورة الرحمن: ٣٣](٢).
الثاني: الشواهد من اللغة التي تؤيد هذا المراد: كقولك: ما يفوتني فلان بالبصرة ولا هاهنا في بلدي وهو معك في البلد؛ أي: ولا بالبصرة لو صار إليها (٣).