ابن كثير:"اختلفوا في السبب الذي سمي به ذا القرنين; فقيل: لأنه كان له في رأسه شبه القرنين. وقال وهب بن منبه: كان له قرنان من نحاس في رأسه. وهذا ضعيف. وقال بعض أهل الكتاب: لأنه ملك فارس والروم"(١).
• دراسة المسألة:
بعد التتبع والنظر في أقوال أهل العلم في هذه المسألة واستقراء ما ذكره المفسرون، يظهر أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني من أن لقب ذي القرنين كان مشهورا في القديم عند العبرانيين، وليس من أوضاع العرب خاصة وذلك من وجهين:
الأول: ما روي عن قتادة أنه قال: " لقي اليهود النبي ﷺ لم فتغشوه، قالوا: إن كان نبيا سيعلم، فسألوه عن الروح، وعن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، فأنزل الله ﷿: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [سورة الإسراء: ٨٥]، يعني:«اليهود وقص عليهم نبأ أصحاب الكهف، وذي القرنين»(٢).
والشاهد: أن اليهود سألوا النبي ﷺ عن ذي القرنين فأطلقوا عليه هذا اللقب، ولم يُطلقوا عليه اسمًا أو لقبًا آخر، فدل هذا على أن لقب ذي القرنين كان معروفًا عندهم وعند أسلافهم، والله أعلم.
الثاني: أن لفظ ذو القرنين جاء مقرونًا بلفظ: يأجوج ومأجوج في قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾ [سورة الكهف: ٩٤] وأكثر أهل العلم على أن هذين اسمان أعجميان، مثل: طالوت وجالوت، وهاروت وماروت (٣)، فيُحتمل أن يكون لقب ذي القرنين مما عُرّب من ألفاظ العجم، والله أعلم.
الثالث: أنه يجوز أن يكون لقب ذي القرنين من الكناية عن كل ذي قوة وبأس وسلطان. لأن ذا القرون من المواشي أقواها وأشدها. والكناية بالقرن عن القوة والسلطان
(١) البداية والنهاية: ابن كثير (٢/ ٥٣٨). (٢) تفسير مجاهد (ص: ٤٤٢)، وانظر: جامع البيان: الطبري (١٥/ ٣٦٨). (٣) انظر: الوسيط: الواحدي (٣/ ١٦٦)، وانظر: المحرر الوجيز: ابن عطية (٦/ ٤٤٧).