من خلال استقراء ما كتبه المفسرون والفقهاء في هذه المسألة، وما جاء في تفسير الآية، يتبين أن الحق مع أصحاب القول الثاني وهو: أن صلاة الخوف مشروعة في عهد النبي ﷺ وبعده، وذلك من أوجه عدة:
الأول: أن قوله: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ﴾ ليس على سبيل الشرط، وإنما خرج الكلام على وفق الحال، والشرط يوجب الوجود عند الوجود، ولا يقتضي العدم عند العدم - على قول جماعة من أهل العلم-، فيكون المعنى: وإذا كنت أنت فيهم أو من يقوم مقامك في الإمامة كما في قوله تعالى ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (٢).
الثاني: أن الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ﴾ على تخصيص صلاة الخوف بعهد النبي ﷺ، يرد عليه مثل قول مانعي الزكاة، الذين احتجوا بقوله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [سورة التوبة: ١٠٣] قالوا: فنحن لا ندفع زكاتنا بعده ﷺ إلى أحد، بل نخرجها نحن بأيدينا على من نراه، ولا ندفعها إلى من صلاته، أي: دعاؤه، سكن لنا، ومع هذا رد عليهم الصحابة وأبوا عليهم هذا الاستدلال، وأجبروهم على أداء الزكاة، وقاتلوا من منعها منهم (٣).
الثالث: أن الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ﴾ على تخصيص صلاة الخوف بعهد النبي ﷺ مخالف لإجماع الصحابة ﵃، وفعلهم، فقد أقامها جمع من الصحابة بعد رسول الله ﷺ كما روي عن علي ﵁ أنه صلى صلاة الخوف وروي عن أبي موسى
(١) أضواء البيان: الشنقيطي (١/ ٢٦٣). (٢) انظر: تفسير القرآن: السمعاني (١/ ٤٧٢)، وانظر: تبيين الحقائق: الزيلعي (١/ ٢٣٢)، وانظر: العناية شرح الهداية: البابرتي (٤/ ١٧٦). (٣) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (٣/ ٢٠٥).