من خلال استقراء ما ذكره أهل العلم في تفسير قوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾، يتبين أن الصواب من أقوالهم ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن المراد: الإخبار بأن كل شي يزول ويهلك، إلا ذاته ﷿، وذلك من وجهين:
الأول: الشواهد اللغوية التي تدل على جواز التعبير بالوجه عن الذات، كأن تقول: أكرم الله وجهه، وفلان وجه القوم، تريد بذلك ذاته (١).
والعرب تستعملُ الوجه وهم يريدون نفسَ الشيء، إلا أنَّهم يذكرونه باللفظ الأشرف، كما قال: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ (٢).
الثاني: ما جاء في سبب نزول الآية: ومن ذلك ما روي عن ابن عباس ﵁ قال: لمّا أنزلت هذه الآية - يعني قوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾ - قالت الملائكة: هلك أهل الأرض فأنزل الله تعالى ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ فأيقنت الملائكة بالهلاك (٣).
وما روي عنه أيضًا في قوله: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: ١٨٥]؛ قال: لما نزلت؛ قيل: يا رسول الله! فما بال الملائكة؟ فنزلت: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ (٤).
ووجه الدلالة: أن إيقان الملائكة بالهلاك لا يُمكن حمله إلا في مقابلة بقاء الذات، وهي ذاته ﷿، إذ لا يستقيم أن يكون المراد من قوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ بالنظر إلى ما جاء في سبب نزول الآية: ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة، والله أعلم.