الثالث: من حيث السياق: فسياق الآية يدل على أنه خطاب موجه إلى النبي ﷺ في الظاهر، لنهية عن دعاء غير الله تعالى والمقصود به إبطال الشرك وإظهار ضلال أهله، وجملة ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ علة لهذا النهي لأن هلاك الأشياء التي منها الأصنام وكل ما عبد مع الله وأشرك به دليل على انتفاء الإلهية عنها لأن الإلهية تنافي الهلاك وهو العدم، كأنه تعالى يقول: هذه الأصنام المعبودة من دون الله لا تبقى، والله تعالى هو الذي يبقى، فهو الذي يستحق أن يعبد، وعلى هذا يكون الوجه مستعمل في معنى الذات. والمعنى: كل موجود هالك إلا الله تعالى (١).
الرابع: مما يدل على عدم صحة قول من قال بأن المراد: كل شيء هالك إلا ما أريد به وجهه: أن الأعمال الصالحة ستفنى مع أصحابها، صالحةً كانت أم طالحة (٢).
تنبيهان:
الأول: الآية فيها إثبات صفة الوجه لله تعالى على ما يليق بجلاله كما عليه أهل السنة والجماعة (٣)، لا كما يزعم الرازي ومن معه من الأشاعرة من إنكار صفة الوجه لله تعالى، ويرمي أهل السنة بالمجسمة، لأنهم أثبتوا هذه الصفة على الحقيقة (٤).
الثاني: قول الحافظ ابن كثير ﵀ الذي تعقبه القاسمي من أن قول مجاهد والثوري بأن المراد: إلا ما أريد به وجهه، لا يُنافي القول بأن المراد: إلا إياه. له حظ من النظر، لأن هذا النوع هو من تفسير الشيء بلازمه، وهو من طرق التفسير التي كان عليها جماعة من السلف (٥)، وهذا التفسير لا يُناقض الأصل في تفسير الآية، فكل شي هالك ولا يبقى إلا الله
(١) انظر: التحرير والتنزير: ابن عاشور (٢٠/ ١٩٦، ١٩٧)، وانظر: تفسير القرآن الكريم (سورة القصص): العثيمين (ص: ٤٠٦). (٢) انظر: موسوعة الألباني في العقيدة (٦/ ٣٢٣). (٣) انظر: نقض عثمان الدارمي على المريسي (٢/ ٧٠٥)، وانظر: الإبانة الكبرى: ابن بطة (٧/ ٢٦٧)، وانظر: العقيدة الواسطية: ابن تيمية (ص: ٦٦). (٤) انظر: مفاتيح الغيب: الرازي (٢٥٢/ ٢٢)، وقد تقدم الحديث عن بطلان وصف أهل البدع لأهل السنة بالمجسمة في مسألة رقم: (٥) ص: (١٧٠)، ومسألة رقم: (٢٦) ص: (٢٨٤). (٥) انظر: مقدمة في أصول التفسير: ابن تيمية (ص: ٤٥)، وانظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (١/ ١٠).