ابن حزم:" وأما الحديث الذي فيه وأنهن الغرانيق العلى وإن شفاعتها لترتجى فكذب بحت موضوع لأنه لم يصح قط من طريق النقل ولا معنى للاشتغال به إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد"(١).
ابن كثير:"ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق، وما كان من رجوع كثير من المهاجرة إلى أرض الحبشة، ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا. ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم"(٢).
• دراسة المسألة:
هذه المسألة من المسائل التي اختلف العلماء فيها قديمًا، وقصة الغرانيق جاءت في بعض الروايات التي تفسِّرُ سبب سجود المشركين مع النبي ﷺ، وسببَ استجابتهم لأمر الله -تعالى، حاصلُها أن الشيطان ألقى في أثناء قراءته كلماتٍ على لسان النبي ﷺ فيها الثناء على آلهتهم، وإثبات الشفاعة لها عند الله، وهذه الكلمات هي:" تلك الغرانيق العُلى، وإن شفاعتهن لَتُرتَجَى " وأن المشركين لما سمعوا ذلك فرحوا واطمأنوا وسجدوا مع النبي ﷺ(٣).
ومن خلال التتبع والنظر في أقوال أهل العلم، يتبين أن هذه المسألة مما يسوغ الخلاف فيها، ولمعرفة الصواب في هذه المسألة يحسن الوقوف على المواضع والأوجه التي تعقب فيها القاسمي ﵀ على شيخ الإسلام ابن تيمية، والحديث عنها، تحسبًا للخروج عن صلب الموضوع:
أولا: مدى موافقة القرآن لقول جماعة من السلف في المراد من قوله تعالى: ﴿إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾:
قال ابن تيمية: "والقرآن يوافق ذلك - يعني قصة الغرانيق-. فإن نسخ الله لما يلقي الشيطان، وإحكامه آياته، إنما يكون لرفع ما وقع في آياته، وتمييز الحق عن الباطل حتى لا
(١) الفصل في الملل والأهواء: ابن حزم (٤/ ١٨). (٢) تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (٥/ ٤٣١). (٣) سيأتي إيرادها.