ويُريد مما أثر عن السلف: ما روي عن أبي العالية قال: قالت قريش لرسول الله ﷺ إنما جلساؤك عبيد بني فلان، ومولى بني فلان، فلو ذكرت آلهتنا بشيء جالسناك، فإنه يأتيك أشرف العرب، فإذا رأوا جلساءك أشرف قومك كان أرغب لهم فيك، قال: فألقى الشيطان في أمنيته، فنزلت هذه الآية: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾، قال: فأجرى الشيطان على لسانه: "تلك الغرانيق العلى، وشفاعتهن ترتجى، مثلهن لا ينسى" قال: فسجد النبي ﷺ حين قرأها وسجد معه المسلمون والمشركون، فلما علم الذي أجري على لسانه، كبر ذلك عليه، فأنزل الله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾ إلى قوله ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة الحج: ٥٢](٢).
وبنحو ذلك روي عن جماعة من السلف كسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب القرظي، وقتادة، وغيرهم (٣).
وهذا الذي ذهب إليه ابن تيمية ﵀ تعقبه القاسمي بأنه كلامه فيه نظر فقال: "فدعواه أن المأثور يوافق القرآن. فإنه ذهاب إلى أن الإلقاء إلقاء في الآيات. ولا تدل الآية عليه، لا مطابقة ولا التزاما" (٤).
والصواب أن الإلقاء كان في الآيات، لأن ﴿تَمَنَّى﴾ بمعنى: تلا وقرأ، والمعنى: ألقى الشيطان في كتاب الله الذي تلاه وقرأه، وليس كما يميل إليه القاسمي ﵀ من أن المراد بالتمني في الآية: حديث النفس، وأن المراد من الإلقاء: إلقاء الشيطان في سبيل النبي ﷺ العثرات، وبين مقصد النبي ﷺ العثرات (٥).
(١) مجموع الفتاوى: ابن تيمية (١٠/ ٢٩١). (٢) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (١٦/ ٦٠٦). (٣) أخرج أقوالهم ابن جرير الطبري في تفسيره (١٦/ ٦٠٣ - ٦٠٨)، وأورد نحوا منها ابن كثير في تفسيره (٥/ ٤٣١ - ٤٣٣). (٤) محاسن التأويل: القاسمي (١٢/ ٤٣٥٩). (٥) انظر: محاسن التأويل: القاسمي (١٢/ ٤٣٦٨، ٤٣٦٩).