للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

• دراسة المسألة:

بعد التتبع والنظر في أقوال أهل العلم وما ذكره المفسرون في هذه المسألة، يتبين أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن قوله تعالى: ﴿لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ﴾ على ظاهره، بأن الله تعالى يُعجب عباده من هول ذلك اليوم وشدته، فيُؤخِّر فيه الرسل ليشهدوا على قومهم، وذلك من أوجه:

الأول: من حيث دلالة السياق: فسياق الآيات جاء في الحديث عن الآخرة، والمتغيرات التي تحصل للعالم من طمس النجوم، وانشقاق السماء، ونسف الجبال، وذلك اليوم هو اليوم الذي أقتت فيه الرسل، وأجلت للحكم بينها وبين أممها، ولهذا قال: ﴿لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ﴾ استفهام للتعظيم والتفخيم والتهويل ثم أجاب بقوله: ﴿لِيَوْمِ الْفَصْلِ﴾ أي: بين الخلائق، بعضهم لبعض، وحساب كل منهم منفردا (١).

فسياق الآيات في التهويل من يوم الفصل وهو القيامة، وليس هناك أي ذكر أو إشارة إلى تأجيل القضاة الخصوم في الحكومات للحكم بين الناس.

الثاني: ظاهر الآية الذي يدل على أن تأجيل الرسل ليوم القيامة يدل على التعظيم والتعجيب من هول يوم القيامة الذي يُفصل فيه بين الخلائق (٢)، وليس فيه أي دلالة ولا إشارة على تأجيل القضاة للخصوم في الحكومات ليقع فصل القضاء عند تمام التأجيل، فظاهر الآية يدل على الحديث عن اليوم الآخر.

الثالث: أن المقرر عند أهل العلم أن من شروط الاستنباط: أن يكون بينه وبين اللفظ ارتباط صحيح، لا بمجرد فهم العربية.

وفي هذا يقول القرطبي: "فمن لم يحكم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية؛ كثر غلطه، ودخل في زمرة من فسر القرآن بالرأي … ولا مطمع في الوصول


(١) انظر: تيسير الكريم الرحمن: السعدي (ص: ٩٠٣).
(٢) انظر: التيسير في علم التفسير: أبو حفص النسفي (١٥/ ١٦٦)، وانظر: الكشاف: الزمخشري (٤/ ٦٧٨)، وانظر: تفسير القرآن العظيم: السخاوي (٢/ ٥٥٥)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (٢١/ ٥٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>