للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أصحاب القول الثاني:

القنوجي: "خص النهي بالمضموم وإن كان أكل مال اليتيم حراماً وإن لم يضم إلى مال الوصي، لأن أكل ماله مع الاستغناء عنه أقبح، فلذلك خص النهي به، أو لأنهم كانوا يأكلونه مع الاستغناء عنه، فجاء النهي على ما وقع منهم فالقيد للتشنيع" (١).

ابن عاشور: "فيه من التشنيع عليهم حيث يأكلون حقوق الناس مع أنهم أغنياء" (٢).

• دراسة المسألة:

بعد استقراء ما ذكره المفسرون في هذه الآية، يتبين أن لكل فريق أوجها التي تؤيد ما ذهب إليه بالنهي في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾، إلا أن أصحاب القول الثاني يرد على ما ذهبوا إليه بشيء من الإيرادات، وبيان ذلك مما يلي:

أوجه ما ذهب إليه أصحاب الفريق الأول:

أولا: سياق الآية: حيث إن النهي فيها عن ضم أموال اليتامى إلى أموال تكون بحوزة صاحبها، وأي أموال تكون بحوزة الفقير الذي لا يجد قوت يومه.

ثانيًا: أن ظاهر قوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ يدل على جواز أكل الفقير بقد الحاجة، ثم تعويض اليتيم بهذا القدر أو رد مثله إن تيسر الأمر، أما قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾ فهو يقع في الغالب عند الغني، فيدل على النهي المطلق، والله أعلم.

ثالثًا: من حيث البلاغة: فإن توجيه النهي للأغنياء أبلغ، وذلك أن أكل الغني لأموال اليتامى مع عدم حاجته لذلك أقبح من أكل الفقير لأموال اليتامى، فالمنهيّ كلما كان أقبح كانت النفس عنه أنفر والداعية إليه أبعد. ولا شك أن المستقر في النفوس أن أكل مال اليتيم مع الغنى عنه أقبح صور الأكل. فخصص بالنهي تشنيعا على من يقع فيه. حتى إذا استحكم


(١) فتح البيان: القنوجي (٣/ ١٣).
(٢) التحرير والتنوير: ابن عاشور (٤/ ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>