للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فقد سئل سفيان ابن عيينة عن قوله ﷿: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، فقال: إلا يسرها لا عسرها، ولم يكلفها طاقتها، ولو كلفها طاقتها لبلغ المجهود منها (١).

الثاني: لو كان المراد من السعة في الآية: بذل المجهود بأقصى الطاقة، لكان فيه كلفة ومشقة، وربما تعذر الامتثال، وهذا خلاف ما دلت عليه النصوص بأن النفس تتقي الله بحسب استطاعتها، وإذا عجزت عن بعض الواجبات التي يقدر عليها غيرها سقطت عنها كما قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [سورة البقرة: ٢٨٦] ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ [سورة الطلاق: ٧] ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [سورة الحج: ٧٨] ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [سورة التغابن: ١٦] فلا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة (٢).

الثالث: من حيث المفهوم من معنى الوسع: فإن الوسع إنما سمي وسعا لأنه يتسع على فاعله فعله ولا يضيق عليه، فمثلا من لم يستطع الجلوس فليوم إيماء، ومن لم يستطع الصوم فليفطر، وهذا من لطف الله تعالى بعباده بأن لم يكلفهم إلا ما يسعهم ويسهُل عليهم، ولا يخرج عن حد الوسع والطاقة، وأن ذلك عادة الله سبحانه في تكليف عباده، ولو كان الوسع بمعنى بذل الجهد بأقصى الطاقة لما تحقق هذا المفهوم من الوسع، والله أعلم (٣).

• النتيجة:

من خلال ما تقدم ذكره من أقوال أهل في هذه المسألة، يظهر أن الصواب مع أصحاب القول الأول من أن المراد من الوُسع: ما يقدر عليه الإنسان بسهولة ويستمر، وليس بذل المجهود، لما تقدم إيراده من الأوجه الدالة على ذلك، والله أعلم.


(١) الكشف والبيان: الثعلبي (٧/ ٥٨٤).
(٢) انظر: تيسير الكريم الرحمن: السعدي (ص: ٢٨٩).
(٣) انظر: فتح القدير: الشوكاني (٣/ ٥٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>