الأول: تقدم أن الحنابلة يرون أن اليتيمة لا تُزوج إلا بإذنها، والحق أن كثيرا منهم يقيدون الإذن إذا بلغت تسع سنين، فإن كانت دون التسع فلا بأس أن يزوجها وليها بغير إذنها (١).
الثاني: قول القاسمي ﵀ وتعقبه على قول الأصم: "من أن الإذن لا يكون إلا بعد البلوغ، يحتاج إلى دليل، إذ لا يدل عليه الخبر بمنطوقه ولا مفهومه". غير مُسلّم، إذ إن الخبر وهو:"تستأمر اليتيمة" وإن كان ليس فيه دلالة منطوق، إلا أن كثيرا من أهل العلم فهم منه أن الاستئمار لا يكون إلا من البالغة، كما تقدم.
فائدة:
قال العلامة ابن باز ﵀: إن كانت اليتيمة دون التسع فلا بأس أن يزوجها وليها بغير إذنها؛ لأنه أعلم بمصالحها والدليل على ذلك أن النبي ﷺ تزوج عائشة ولم تستأذن؛ لأنها كانت صغيرة بنت ست أو سبع كما جاء في الحديث الصحيح (٢)، زوجها الصديق وهي بنت ست أو سبع، ودخل عليها النبي وهي بنت تسع ﵊، فالحاصل إذا كانت دون تسع ورأى من المصلحة أن يزوجها؛ لئلا يفوت الكفء الطيب لا من أجل المال، بل من أجل المصلحة الدينية، إذا رأى وليها يعني: أباها أن يزوجها وهي دون التسع؛ لأنه خطبها رجل كفء طيب صاحب دين وخير وخشي أن يفوت فلا بأس" (٣).
• النتيجة:
بعد ذكر ما تقدم في هذه المسألة، وما تم إيراده من أقوال أهل العلم فيها، يظهر أن الراجح هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني من اشتراط إذن اليتيمة في النكاح وإن لم تبلغ، لما تقدم إيراده من الأوجه التي تؤيد ذلك وهو ما ذهب إليه القاسمي ﵀.
إلا أن الاستئمار المذكور في حديث: "تستأمر اليتيمة"، قد يُفهم منه اشتراط الإذن بعد البلوغ، خلافًا لما ذهب إليه القاسمي ﵀، والله أعلم.
(١) انظر: مسائل أحمد بن حنبل من رواية ابنه عبد الله (ص: ٣٢١)، وانظر: المغني: ابن قدامة (٧/ ٤٢)، وانظر: العدة: المقدسي (ص: ٣٩٣)، وانظر: دليل الطالب: مرعي الكرمي (ص: ٢٣٣). (٢) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب تزويج النبي ﷺ عائشة ﵂، برقم (٣٨٩٦). (٣) فتاوى نور على الدرب: ابن باز، باب أحكام الصداق، نصيحة في عدم المغالاة في المهور (٢٠/ ٤٣٢).