من خلال عرض ما تقدم من الأقوال في هذه المسألة، يظهر أن أصحاب القول الثاني وهم الحنابلة، يُخصصون عدم قبول توبة المُرتد فيمن تكررت ردته، وليس فيمن ارتد مرة ثم تاب ورجع إلى الإسلام.
وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة والأثر على قبول توبة المرتد:
فمن الكتاب: عموم قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [سورة الأنفال: ٣٨]، فهذا عام فيمن دخل في الإسلام أو ارتد ثم أسلم.
والقول بعدم قبول توبته معارض لقول الله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة آل عمران: ٨٩]، ومعارض أيضًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا﴾ [سورة النساء: ١٣٧]، ووجه الاستدلال: أن الله تعالى أثبت في هذه الآية إيمانا بعد كفر تقدمه إيمان (٢).
ومن السنة: ما أخرجه مسلم في صحيحه في حديث إسلام عمرو بن العاص ﵁ أن رسول الله ﷺ قال له: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ " (٣).
وحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
(١) أخصر المختصرات: ابن بلبان (ص: ٢٥٤). (٢) انظر: تأويلات أهل السنة: الماتريدي (٣/ ٣٨٩). وقد نبه القاسمي ﵀ في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً﴾ أن الدلالة في قبول التوبة عند عدم تكرار الردة. وأما معه، فلا. كما لا يخفى. ينظر: محاسن التأويل (٥/ ١٦١٠)، وهو نقيض ما أورده من قبول صحة توبة من تكررت ردته في تفسير قوله تعالى: ﴿إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم﴾. (٣) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج، برقم: (١٩٢).