للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

تنبيه:

ذكر الزمخشري في تفسيره ومن تبعه من أن الفرق بين قوله: ﴿فَانْظُرُوا﴾ وبين قوله: ﴿ثُمَّ انْظُرُوا﴾ أنه تعالى جعل النظر مسببا عن السير في قوله ﴿فَانْظُرُوا﴾ فكأنه قيل: سيروا لأجل النظر، ولا تسيروا سير الغافلين. وأما قوله: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا﴾ فمعناه إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع وإيجاب النظر في آثار الهالكين. ونبه على ذلك بثم، لتباعد ما بين الواجب والمباح" (١).

وهذا الذي ذكره تعقبه أبو حيان بقوله: "وما ذكره أولا متناقض، لأنه جعل النظر متسببا عن السير، فكان السير سببا للنظر ثم قال: فكأنما قيل: سيروا لأجل النظر فجعل السير معلولا بالنظر، فالنظر سبب له فتناقضا.

ودعوى أن الفاء تكون سببية، لا دليل عليها، وإنما معناها التعقيب فقط، وأما مثل: ضربت زيدا فبكى، وزنى ماعز فرجم، فالتسبيب فُهِمَ من مضمون الجملة، لأن الفاء موضوعة له، وإنما يفيد تعقيب الضرب بالبُكى، وتعقيبَ الزنا بالرجم فقط، وعلى تسليم أن الفاء تفيد التسبيب، فلم كان السير هنا سير إباحة وفي غيره سير واجب؟ فيحتاج ذلك إلى فرق بين هذا الموضع وبين تلك المواضع" (٢).

قال السمين: "قلت: هذا اعتراض صحيح إلا قوله: «إن الفاء لا تفيد السببية» فإنه غير مرض" (٣).

• النتيجة:

بعد عرض ما تقدم من أقوال المفسرين في هذه المسألة، يظهر أن الأقرب للصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن الفاء في قوله تعالى: ﴿فَانْظُرُوا﴾ للتعقيب و (ثم) في قوله: ﴿ثُمَّ انْظُرُوا﴾ للتراخي، لما تقدم ذكره من الأوجه التي تؤيد ذلك، والله أعلم.


(١) انظر: الكشاف: الزمخشري (٢/ ٨)، وانظر: مفاتيح الغيب: الرازي (١٢/ ٤٨٨)، وانظر: أنوار التنزيل: البيضاوي (٢/ ١٥٥).
(٢) البحر المحيط: أبو حيان (٩/ ٤٤).
(٣) الدر المصون: السمين الحلبي (٤/ ٥٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>