للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عمارة المسجد الحرام، بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاج، على الإيمان بالله والجهاد في سبيله، أخبر الله تعالى بالتفاوت بينهما، فقال: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ " (١).

• دراسة المسألة:

من خلال استقراء ما ذكره المفسرون في هذه المسألة، وما أوردوه من الروايات الواردة في سبب نزول الآية، يظهر أن الراجح هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن الآية وهي قوله تعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ نزلت في المشركين، وذلك من أوجه:

الأول: ما أخرجه ابن جرير الطبري بسنده عن ابن عباس، قوله: " ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ قال العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد، لقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونسقي الحاج، ونفك العاني، قال الله: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾ إلى قوله: ﴿الظَّالِمِينَ﴾ يعني أن ذلك كان في الشرك، ولا أقبل ما كان في الشرك " (٢).

ووجه الاستدلال: أن ابن عباس بيَّن أن الآية رد على مفاخرة المشركين بسقاية الحاجّ، وعمارة المسجد الحرام، فدل على أنها نزلت في المشركين.

الثاني: أن سياق الآيات في مخاطبة المشركين: فقوله تعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ للإنكار وهو استئناف خوطب به المشركون التفاتاً عن الغيبة في قوله: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا﴾ وهو المتبادر من النظم.

وقد بُيّن بين في هذه الآية - وهي: ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ - أن عمارة المسجد، إنما توجب الفضيلة إذا كانت صادرة عن


(١) تيسير الكريم الرحمن: السعدي (ص: ٣٣١).
(٢) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (١١/ ٣٧٨)، والواحدي في أسباب النزول (ص: ٢٤٤)، وانظر: تفسير القرآن العظيم: ابن كثير (٤/ ٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>