ما أورده بعض من المفسرين: أن المراد من قوله تعالى: ﴿فِي غَمْرَةٍ﴾ أي: مغمورة بالإشفاق مع هذه الخصال الحسنة (٢).
• دراسة المسألة:
بعد التتبع والنظر في أقوال أهل العلم وما ذكره المفسرون في تفسير الآية، يتبين أن الصواب هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن المراد بالذين وصفهم الله في قوله: في قوله تعالى: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا﴾ هم المشركون، وذلك من أوجه:
الأول: من حيث الظاهر من معنى الآية: فالمراد من الغمرة: معظم الماء، ثم استعيرت للجهل. ومنه قوله تعالى: ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ﴾ [سورة المؤمنون: ٥٤] أي جهلهم. وقيل: في حيرتهم. وقيل: في عمايتهم، وكلها متقاربة فقوله تعالى: ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ﴾ أي: في غطاء وغفلة. ورجل غمر، أي جاهل، كأن عقله غُمر بالجهل (٣)، وهذا لا يكون إلا في وصف الكفار.
الثاني: أن الله أخبر في الآية أن من صفات القوم أنهم: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ﴾ والمفسرون وأصحاب المعاني مجمعون على أن هذا إخبار عما سيعملونه من أعمالهم الخبيثة التي كتبت عليهم لا بد لهم أن يعملوها (٤)، وهذا لا شك أنه في وصف المشركين.
الثالث: من حيث البلاغة: فإنه ورد في الآية لفظ: (بل) وهو حرف إضراب إذا تلاها جملة، ثم تارة تكون بمعنى الإضراب للإبطال لما قبلها، وتارة تكون بمعنى الانتقال من غرض
(١) غرائب القرآن: النيسابوري (٥/ ١٢٧). (٢) انظر: غرائب التفسير: الكرماني (٢/ ٧٨٠)، وانظر: لباب التفاسير: الكرماني (ص: ١٦٤٣)، وانظر: الكتاب الفريد: المنتجب الهمذاني (٤/ ٦١٢). (٣) انظر: جامع البيان: الطبري (١٧/ ٧٣)، وانظر: عمدة الحفاظ: السمين الحلبي (٣/ ١٧٣)، وانظر: فتح القدير: الشوكاني (٣/ ٥٧٩). (٤) نقل هذا الإجماع الواحدي في البسيط (١٦/ ١٨)، وانظر: فتح القدير: الشوكاني (٣/ ٥٧٩).